آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

متى تشعلينَ النار؟

اليوم أَنعطفُ انعطافةً شخصيةً في مناسبةِ ميلادِ حفيدتي مساءَ أمسٍ الأول من شعبان 1440 هجرية الموافق السابعِ من نيسان/أبريل 2019م، فنحن في عصرِ الأفكار التي تمر على الناسِ ويبثونهَا مثل أحوالِ الطقسِ والطبيعة كل يوم، ولا يتذوقونهَا كما تتذوق الطبيعةُ فصولَ السنة في تأنٍ وروية. أنا شخصياً تضج الفكرةُ في رأسي برهةً قصيرةً ليست أطولَ من مدةِ اختمار عجينةِ لقيماتِ أمي قبل خمسينَ سنة. أذكر أنها كانت تعجنهَا في ظهيرةِ شهرِ آب الملتهب وتتتركهَا تحت الشمسِ حتى المساء. أنا وإخوتي لا نطيق الصبر نطل من بينِ فرجاتِ سعفِ النخيل ونقول: متى متى تشعلينَ النارَ يا أمي؟ متى متى تَصبيْ الزيتَ في المقلاةْ؟ وعجائن اليومِ لا تحتاج سوى ثوانٍ معدودات ثم تختمر!

حتى لو أراد الفكرُ أن يعتملَ ويختمرَ فلن يجدَ له راغباً أو مشترياً، إذ أن حليماتِ ذوقِ الناشئة وأنوفها التي تغذيها بذائقةِ طعام الفكر أضحت سريعةَ التغيرِ والانقلاب، فمن ذا الذي يتوق لرؤيةِ المشهدِ كاملاً دون فواصلَ من مشاهدَ أخرى. لم يكن الكاتب ذي قبل يكتب كتاباً للناسِ يقرأونَ فيه فكره المتغير الذي يمليه عليه مزاجُ ومشاهدُ اليوم الذي هو فيه، بل ربما كتبه في أشهرٍ وبثهُ للناسِ بعد سنين. هكذا يصطاد الناسُ منه قليلاً من الأفكارِ الشاردةِ والخاطئة وكثيراً من الأفكارِ الثابتةِ والمستقرة، لكن هكذا هي الأيام صارت!

السرعةُ والتوثبْ سمةُ الشباب الطامح الذي لا يستقر قبل أن يصلَ إلى ما صَبت وتاقتْ إليه نفسه، فلم يختلف جيلٌ عن جيل ولكن في كل جيلٍ يشذ عن القاعدةِ أفرادٌ لا يتسقونَ مع نمطِ النقاطِ التي تشكل الخطَّ المستقيم. سوف يأتي من بعد هذا الشباب المتوثب من بعدهم ويصفهم بالصبر والروية، لأنهم سوف يرونهم في سكونِ فورةِ الشباب وسَكينة العقلِ والعاطفة.

ابنتي القادمة أمس: سوف تسمح لنا الأيامُ بالصحبة في إرادة الله وهذا شيءٌ جيد، وسوف تعرفينَ عندما تقرأينَ هذه السطور بعدما تكبرين قليلاً أن يومَ ميلادك هو يوم ميلاد هذه الكلمات. ساعةَ جئت كنا فرحين بقدومك وأنتِ تبكين من منظرِ العالم الكبير الذي يشاركك فيه الكثيرُ من البشر بعدما كان العالم كله لك، راحةً بلا تعب وأمناً بلا خوف. آهُ لو يعلم الصغار كم تألم أمهاتهم في حملهم وفي أوجاعِ المخاض ليرتاحوا في عالمهم وليرتاحوا ويسعدوا في عالمنا!

مرحباً بكِ في هذا العالمِ ضيفاً جديداً، عالمٌ يتصارع فيه الموتُ والحياة، والسعادةُ والشقاء، والسلمُ والحرب، والمرضُ والشفاء، عالمٌ يجمع كل الأضداد التي تجعل منه لوحةً كاملةَ المعاني في الإبداعِ والخلق. صلي معي أن يأتي يومٌ تنتفي فيه كل صفات السلب عن عالمنا وتكون حكمة الباري في وجودِ الصفاتِ الموجبة لا غير فلا لا شك أن هذا اليومَ سيأتي.

مستشار أعلى هندسة بترول