آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:02 م

طعم النجاح

المهندس هلال حسن الوحيد *

في العادة يكون شهر نيسان/أبريل هو آخر أشهرِ السنة الدراسية وفيه لابد أن يأخذ الطلابُّ امتحاناتٍ تؤهلهم للعبور للفصلِ التالي أو التخرجَ من المرحلةِ إن كانوا في آخرَ سنةٍ منها. يلازم مرحلةَ التعليم القلقُ والترقب الذي بعده قد يتحدد مستقبل الطلاب في ظل التنافس المحموم على المقاعد الدراسية في الجامعات وما تحتاج له من درجاتٍ وامتحاناتٍ خاصة كي تؤهلهم للقبولِ فيها.

أيام الدراسة تحتاج الكثير من الصبر ولكن أليس طعم كل دواءٍ مر وصبرٍ مرٌ قليلاً حينها وبعده يفرح من كان يأخذه ويسخر من الخوف والقلق؟ كم يتمنى من اجتاز مراحل الدراسة أن يعود إليها مرةً أخرى، ومن يظن أنها قفصٌ وسجنٌ فلينتظر قليلاً ريثما يكتشف كم هو خاطئ إذ أن سنين الدراسة هي سنين الراحةِ والحرية بينما الحياةُ بعدها سجنٌ كبير نصطدم بجدرانه كل صبحٍ ومساء.

إن كنتَ اليومَ على مقاعد الدراسة وعليك أن تأخذ امتحاناً في هذا الشهر فصدقني أن المرحلة التي أنت هي أيامٌ فيها حلاوة الآمال الحاضرة والآتية. أيامٌ أنت تقف وتشرف من كوةِ الحاضر إلى رحابة المستقبل، حيث التحديات والعقبات والجبال والتلال. لن ينفعك فيما بعد هذه الأيام إلا ما حصلته فيها من شهادات وإن كنت عبقرياً تفيض العبقرية من جانبيك.

أنا الآن أتأمل السنينَ كيف مرت وكيف انقضت وماهو أحلاها وما هو أمرها، ولم أجد أحلاها التي عملتُ فيها أو سافرتُ فيها، بل تلك السنين التي كنت أجلس فيها مع ثلاثينَ شاباً يافعاً تمتلئ قلوبهم وعقولهم بما سوف يصنعون في القادمِ من الليالي والأيام في حياتهم. خذ لك ورفاقك صورةً  حيث أنت وتأمل فيها، سوف ترى أن الطفل والإنسان هو ذاته لم يتغير كثيراً. سوف ترى في أعينكم أحلاماً شبيهةً وآمالاً تطابق أحلامنا وآمالنا قبل عشرات السنين.

الفرق بين أحلام النوم واليقظة أن أحلامَ النومِ تظل تراودنا في حالة النوم والسكون وأحلام اليقظة علينا أن ننط من فوق أسرة النوم ونعمل على تحقيقها كل يوم، نخلطها بالتعب ونعجنها بالصبر ونهضمهَا بالترقب والحذر. إن أنتَ اليوم في مثل هذا العمر فأنت دعامةُ المستقبل الذي تستقيم عليه وتنتصب الأجيال والأمم القادمة وتحظى بشرف أن ينظرونَ إليك كل يوم ويلتمسون فيك أن تكون خير سفيرٍ لهم في مستقبل الأيام.

لا تزال ذكرى اليوم الذي كنا نعود صغاراً مع قراطيسَ في أيدينا كانت شهادات لنا على خيبتنا أو نجاحنا، وليس لوالدينا سوى النظر في ملامح وجوهنا كي يعرفوا أن ما زرعوا أثمرَ ثمراً حلو المذاق أو لم يكن. ليس أحلى من ذراعي أمٍّ تضم ولدها في آخرِ يومٍ من السنة الدراسية. لحظاتٍ لو وثقتها آلاتُ التصوير لما خانتها الأيامُ بل بقيت خالدةً في ذكراها.

إن كنت تظن أن في هذه الأيام تعب وعناء، فهل طافت بك يوماً صورةُ ملايين الأطفال في أنحاءِ العالم يتمنون أن يجلسوا حيث أنت؟ والواقع أن هذه الأيام غمرتك بحبها وأهدتك أنتَ دونهم أجملَ ما استطاعت أن تعطي وتهدي شاباً مثلك!

مستشار أعلى هندسة بترول