آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 12:54 ص

الشكل.. المضمون

محمد أحمد التاروتي *

ايجاد إطار جامع لعكس الظاهر مع الباطن عملية ليست سهلة، ولكنها ليست مستحيلة على الاطلاق، فالإرادة قادرة على تحطيم كافة الحواجز النفسية والمادية، للوصول الى الهدف المنشود، وبالتالي فان الانسجام الكامل او الجزئي في ترجمة الشكل مع المضمون، مرهون بالآليات المتبعة في المسيرة الحياتية، بحيث تخلق نوعا من التوازن النفسي الداخلي والخارجي، مما ينعكس على الحركة الحياتية بكافة تفاصيلها سواء المفرحة او الحزينة.

التحرك باتجاه تقليص الفجوة بين الظاهر والباطن، عملية ضرورية للانطلاق باتجاه التجديد الدائم، وعدم الركون للماضي، او الانغلاق تجاه التحول القادر للقفز على الإحباطات الداخلية، جراء البون الشاسع بين الشكل والمضمون، وبالتالي فان الخطوات الجادة لتغيير الصورة النمطية لدى المرء، فيما يتعلق بالاختلاف بين الظاهر والباطن، تسهم في احداث تحولات سريعة، واحيانا بطيئة، عطفا على نوعية الخطوات المتخذة، بيد انها تحرك المياه الراكدة بالاتجاه الإيجابي، مما يؤسس لمرحلة جديدة مغايرة تماما، للصورة السابقة المطبوعة في الأذهان.

المرء اسير الواقع الذي ارتضى العيش فيه، ولكنه ليس قدرا حتميا مدى الحياة، وبالتالي فان الثورة على الواقع يمثل خطوة اساسية، لإزالة غبار الزمن عبر استخدام الوسائل القادرة، على تبيض الصورة داخليا وخارجيا، فمن جانب يحصل المرء على الاستقرار النفسي جراء التوازن الكبير بين الظاهر والباطن، بحيث ينعكس على شكل مواقف صادقة، وليست مهادنة تجاه معالجة الازمات، والقضايا الاجتماعية، الامر الذي ينعكس على الرضا الذاتي بالدرجة الاولى، ومن جانب اخر فان التحول الكبير والانسجام الداخلي مع الخارجي، يترجم على شكل اشادة اجتماعية، جراء تبدل المواقف السابقة، لاسيما وان التغييرات الكبيرة في الاتجاه الايحابي، تبقى محل تقدير واحترام من الجميع، بحيث تظهر على اشكال متعددة سواء في المحيط الاجتماعي الضيق، او البيئة الاجتماعية الواسعة.

التقريب بين الشكل والمضمون، إرادة فردية بالدرجة الاولى، من خلال البحث عن الادوات والقنوات القادرة على رفد الارادة، بالقوة اللازمة للسير نحو الهدف المنشود، وبالتالي فان الفرد يشكل محورا اساسيا في احداث التغييرات الكبرى، في المسيرة التنويرية الهادفة لخلق التجانس المطلوب، بين الظاهر والباطن في المواقف، وكذلك في طبيعية التفكير تجاه الازمات على اختلافها.

بالاضافة لذلك فان البيئة الاجتماعية، تشكل المحفزات القادرة على جسر الهوة بين الشكل والمضمون، لاسيما وان المجتمع يسهم في إعطاء دفعات قوية بهذا الاتجاه، من خلال وضع البرامج الحاضنة، وكذلك التشجيع اللازم، مما ينعكس على مجمل الخطوات المتخذة، وبالتالي الحرص على انجاز المهمة بالشكل المطلوب، كنوع من رد الجميل تجاه الوقفة المشرفة للمجتمع، فالوعي الاجتماعي عنصر حاسم في وضع المسارات في المكان السليم، نظرا لوجود تجانس معنوي واحيانا مادي في التفكير الفردي والجمعي، مما يوجد حالة من التوافق للقضاء على التباين الكبير، بين الظاهر والجوهر في المسيرة الفردية.

تبقى عملية الانسجام الداخلي والخارجي تحدي كبير، نظرا لوجود للالتزامات الكثيرة والمتعددة التي تتطلبها هذه العملية، خصوصا وان المغريات التي تعترض الطريق، تشكل احد الأسلحة القوية، في فشل الكثير في الوصول الى نهاية السباق، حيث تتساقط اعداد كبيرة في البداية، ومثلها في المتوسط، فيما تصمد القلة القليلة لمواصلة المشوار حتى خط النهاية.

كاتب صحفي