آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

بذور البيئةِ في حقولِ أرواحنا

المهندس هلال حسن الوحيد *

ليست قوانين الفيزياء خاصة بالأجسامِ الصلبة أو غيرها بل هي تسري على أجساد وأرواحِ البشر أيضاً. هل جربت أن تنظر إلى شخصٍ ?خرَ بلطفٍ ورأيته أعادَ النظر إليك في كاملِ الرقةِ والجمال، وعندما نظرت إليه في شزرٍ أعادَ إليك نظرةً كادت أن تثقبكَ لو طالت قليلاً؟ هذا هو قانون نيوتن الثالث في الحركة والذي يقول: الجسم يبذل قوةً عندما يتفاعل مع جسمٍ آخر والقوة التي يبذلها جسم «1» على جسم «2» لا بد أن تكونَ من نفسِ الحجمِ ولكن في اتجاهٍ معاكس للقوة التي يبذلها الجسم «2» على الجسم «1». بالطبع كانت القوة المبذولة روحيةً تمثلت في نظرةِ رضا أو غضبٍ عادت إلينا كما أرسلناها.

لكن باستطاعة الإنسان الذي يملأ رأسه عقلاً سخَّر به كل شيءٍ تقريباً أن يجعل قوانين الفيزياء مهما فلسفناهَا قشةً في الريح. فربما نظرت إلى شخصٍ في عطفٍ ورقة فأعاد النظرةَ إليك في كرهٍ واحتقار وسؤال: لماذا أنت تنظر إليَّ وبعدها لكماتٍ من اليمين ثم اليسار! قد تحصل تلك الانتهاكات لقانون نيوتن عندما تشترك البيئةُ في التفاعلِ الحاصل بين جسيمين بطريقةٍ ما، مثلاً عندما تتحرك البيئة بالنسبة لشخصين وتشحن نفسيهما بالظنونِ المسبقة، ذلك الشحن يسهل اعتلالَ القانون الثالث، فردُّ الفعلِ قد يزيد أو ينقص عن قوة الفعل الأصلية دون أن يكون في إمكاننا التنبؤ بمقدار ردِّ الفعل. ليس هذا تفسيراً علمياً لما يحدث ولا دينياً، بل ربما هي تصورُ لأرواحٍ خشنةٍ مضادة لأفعال الخير زرعتها فينا بيئةُ التربية والنشء أو أفعالٌ رقيقة ملائكية اختصت فيها البعض منا فصار يقابلُ الإحسانَ بما هو أكثر ألقاً وجمالاً.

هل وقفت على الشاطئِ يوماً ورميتَ حجراً ثم اضطربَ الماء وسرت موجاتٌ بعيدة من نقطة سقوط الحجر الذي رميته، عدتَ صبياً ورميتَ حجراً أصغرَ أو أكبر ونظرتَ كيف حجم الموجةِ وبُعْدُ حلقاتها في الماءِ يتسق مع حجم الحجر وقوة الرمي؟ أما في البشر فأفعالٌ صغيرةٌ تُحدث اهتزازاتٍ طاغيةٍ في محيط المجتمعِ الكبير وعلى العكس أفعالٌ صغيرة يهتز البشرُ ويرقص طويلاً على أنغام موجاتها. هل رأيت كيف استطعنا أن نغلبَ قوانين الطبيعة؟

أما إذا كان صوتك مثل مزمار النبي داود وأطلقت له العنانَ في الوادي، وعكسته طبيعة الوادي والجبال أرقَّ وأعذب ولم تتغير الكلماتُ والمعاني فهو لن يشابه عذوبة صدى أصواتِ البشر وأمانة نقلها عندما يسمعون بعضهم. ليس في هذه الأشياء فقط ننقض قوانين الفيزياء، بل لم يبق قانون ينطبق على المواد الصلبة والمائعة إلا وله خاصيته في الانطباق على البشر. ربما ابتلينا بعقولنا التي تعقد الأمورَ وتفلسفها في طريقةٍ لا تتناسب مع مرامي نفوسنا ورغباتنا وشكوكنا نقفز بعدها قفزاتٍ في سلوكنا خارج نمط وسياق قوانين الفيزياء المعتمدة!

مستشار أعلى هندسة بترول