آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 6:58 ص

أزاهرُ الخيال

في كل مرةٍ أرى سبطي الصغير يسألني كَمَّاً من الأسئلة، ويعيدها كل مرةٍ أراه! أبي ماذا تعمل؟ أبي كيف تعرف هذا وذاك؟ وعندما أقول له بعضَ الأشياء يجاملني بالقول: أبي، لابد أنك تعرف كلّ شيء. وأنا أسأله ذاتَ الأسئلة: ماذا ستكون عندما تكبر؟ وكيف ستصل إلى ما تريد؟ في براءةِ الطفلِ التي لم تتبلد بعد يجيبني كل مرةٍ إجابةً تختلف عن سابقتها. لا يفاجئني تغير اهتمام صغيري بما يريد أن يكونَ في المستقبل، ولكن تفاجئني جرأتهُ وخيالهُ الخصب والمثابرة والالتزام بتحقيق ما يريد. طموحاتٌ اكبر منه الآنَ عشراتِ المرات لكنها لا تمنعه أن يضعها هدفاً يرمي نحوها سهاماً كل يومٍ لعله يثبت بعضها في جدارِ التنفيذ. هذه الخصائص النابضة في عقولِ وقلوبِ الصغار والناشئة هي ثرواتٌ لن يفتقر من ملكها.

ما يرسمه الصغار بخيالهم يجب أن يكون عَيِّنَةً صغيرةً تنميها المجتمعاتُ والأمم فهؤلاء هم من سيكونونَ الدعامةَ التي تُبنى عليها حضاراتُ المستقبل. لا يستطيع أحدٌ أن يتنبأَ بدقةٍ كيف سيكون العلم في القادم من السنين، وكيف سيتعلم الصغار والكبار في المدارسِ والجامعات، ولكن يبدو أن أيامنا الخالية في الإعتمادِ على الذاكرة آخذةٌ في النضوبِ والاضمحلال، وربما حَلَّ مكانها التفكيرُ الرقمي والخيالُ العلمي الذي لن ينضب ولن تندرسَ رسومه وآثاره.

سوف تبقى الذاكرةُ كي يروي صغيري لأحفادهِ حكاياتِ النجاحِ والمناظرَ الجميلة التي رآها في رحلاته وأسفاره، ولكنه على الأغلبِ لن يقرأَ عليهم نصوصاً حرفيةً من الأدبِ أو التاريخِ أو غيره من السردياتِ المطولة، وأياًّ كان نوع ومسار الدراسة التي سوف يختارها العديد من الطلاب قريباً فهي قد لا تشبه كثيراً من التخصصاتِ في الماضي.

مهما استجد في التعليمِ فلا بدَّ أن يبقى تخصص الإنسانياتِ التي تَدرُس حالاتِ الإنسان وتعلمه اللغاتِ القديمة والجديدة والأدبَ والتاريخ والفلسفة والدياناتِ والفنون البصرية والتعبيرية وعلومَ التاريخ ودراسة سلوكِ الإنسانِ والمجتمعات الماضية والحاضرة والثقافات وجميع العلوم التي تعتني بدراسةِ الإنسان من الناحيةِ المعنوية في تصرفاته وهويته وعلاقته بالآخرين. هذه العلوم لا بد أن تبقى حتى لا ينسى الإنسانُ كلما اقترب من الآلةِ أنه إنسانٌ وكيف جاءَ ولماذا جاءَ وإلى أين يسير!

ذاك الشوق لاستكشافِ المجهول هو الدافع نحو ارتقاء القمم، فلو عاد للحياةِ من ماتَ في القرنِ الماضي لن يصدق ما وصل إليه البشر بسبب المعينِ الذي لا ينضب من الخيالِ والطموح والهممِ العالية التي مكنت الإنسانَ من القيام من فوق التراب وارتقاء قممِ الجبالِ والوطء فوق سطوحِ الأفلاك.

مستشار أعلى هندسة بترول