آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

وهم المعرفة

محمد أحمد التاروتي *

ادعاء المعرفة مرض يعاني منه البعض، بحيث يدفعه لتقمص ادوارا، تتجاوز المساحة الجغرافية التي يحتلها، مما يحرضه للإقدام على خطوات جنونية، وغير متوقعة على الاطلاق، من خلال العديد من الممارسات على الصعيد الشخصي او الاجتماعي، حيث يترجم على شكل أقوال تحدث الصدمة في المحيط القريب قبل البعيد، انطلاقا من حالة التضخم التي يعيشها فيها.

محاولة لَبْس عباءة ”سلوني قبل ان تفقدوني“، تشكل ابرز ملامح عمل اصحاب اوهام المعرفة، فهذه الشريحة تضع نفسها في مواقع متقدمة، بغض النظر عن الاعتبارات الحاكمة، في طريقة الامساك بزمام المبادرة، الامر الذي يتمثل في ممارسات التباهي والتفاخر في مختلف المناسبات، نظرا لإدراك هذه الشريحة بأهمية انتهاج هذه الاليات في التعاطي مع الاخرين، كونها احدى الوسائل لابراز عضلات الجانب المعرفي.

هذه الشريحة تحاول اغراء الاخرين بامتلاك المعرفة، والقدرة على ايجاد الحلول لمختلف المشاكل، تارة بطريقة مباشرة عبر الطرح المتكرر، وغير المؤطر بحقبة زمنية، او اخرى بأسلوب غير مباشر عبر أدوات متعددة يجري تحريكها بطريقة مدروسة، بهدف لفت الانتباه وإعطاء الاخرين انطباعات بامكانيات استثنائية، تتجاوز الطاقات المألوفة، وبالتالي فان محاولة الاطراف الاخرى اعادة الامور لوضع الطبيعي، تذهب ادراج الرياح نتيجة اوهام متجذرة بعيدة عن الواقع تماما.

قاعدة ”فوق كل ذي علم عليم“ لا تجد صدى في اذان اصحاب اوهام المعرفة، فهذه الفئة تعتقد باحتكار المعرفة على الساحة، نظرا لما تمتلكه من قدرات عقلية، ومحزون التجربة الكبير، مما يؤهلها للقيام بدور معرفي يتجاوز الإطار المتعارف عليه، وبالتالي فانها تتجنى على الحقيقة عبر الدعوة للاستفادة منها على الصعيد العلمي والعملي، الامر الذي ينعكس على الصعيد المعرفي بشكل عام.

ادعاءات المعرفة ليست كافية للحصول على الاعتراف المجتمعي، فالعملية تتطلب الكثير من الامتحانات، والمزيد من الجهد، وبالتالي فان لَبْس عباءة المعرفة بحاجة الى المزيد من المقدمات، والكثير من العمل، خصوصا وان شهادة المعرفة مرهونة باعتراف المجتمع بالدرجة الاولى، مما يستدعي وضع كافة الاعتبارات في الحسبان، قبل الانخراط في مضمار المعرفة الطويل، لاسيما وان مشوار المعرفة لا ينتهي عند محطات محددة، فالعلم بحر عميق يصعب الوصول الى قعره، مهما حاول المرء الاغتراف من بحر المعرفة، فانه سيكون غير قادر على الحصول، على اكثر من امكانياته وقدرات العقلية.

وهم المعرفة مرض يصاب به البعض نتيجة مجموعة عوامل ضاغطة، بعضها مرتبطة بالعوامل النفسية، والبعض الاخر ناجم عن مسببات ذات طبيعة اجتماعية، وبالتالي فان القضاء على هذه الأوهام يتطلب تصحيح المسار، بما يعود على الفرد بالفائدة الكبيرة، حيث تقضي هذه الأوهام غير الصحية وذات الاثر السلبي على الفرد نفسه، خصوصا وان البقاء في الوهم يبعد المرء عن معايشة الواقع، الامر الذي يعرقل مسيرته في الحياة بشكل الطبيعي.

تبقى المعرفة مطلبا ضروريا للخروج من ظلام الجهل، بيد ادعاء المعرفة يمثل ظاهرة غير صحية، تترك اثارا سلبية في مختلف الجوانب، الامر الذي ينعكس على طريقة تعامل الفرد مع المحيط جراء النظرة غير الواقعية للامور.

كاتب صحفي