آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

بائعُ الجرائد

أيامٌ قليلة ويضع الطلابُ والطالباتُ حقائبَ وكتب الدراسة والأقلامَ والدفاتر على الرفوفِ بانتظارِ أن يعودوا لها في السنةِ الدراسية القادمة. كانت المدرسةُ تأخذ جزأً كبيراً من طاقةِ هؤلاءِ الطلاب النفسيةِ والجسدية ساعاتٍ كل يوم، وحين تتوقف لا بد لشيءٍ آخر أن يملأَ ذلك الوقت ويستهلكَ تلك الطاقة المتدفقة. تغيرت أساليبُ الحياةِ كثيراً منذ الحقبةِ التي كنا فيها في مثلِ أعمارِ هؤلاءِ الشباب ولكن تبقى بعضُ التجاربِ نافعةً وعابرةً لكلِّ الأجيال.

ربما كان الدافع الأقوى لنا في العمل حينها هو الحصول على المالِ الذي يعيننا على شراءِ مستلزمات الحياة التي يتوق لها الشباب ولم تكن الأسرة تستطيع توفيرها، وكان انعدام أو ندرة وسائل إستهلاكِ وإضاعة الوقت حافزاً لنا على الاتجاهِ نحو العمل الجاد والمشاركة فيما توفر من رياضاتٍ تنظمها النوادي أو حلقات الشباب في أعمارنا، ولكن كانت هناك أيضاً الرغبةُ في الجمعِ بين الإستفادةِ والمتعة من الإجازة الطويلة.

ساعد في تلك الفترة النهضة الاقتصادية بسبب ارتفاع أسعار النفط، وما لازمه من توافر مختلفِ الأعمال وندرةِ العامل الأجنبي، بحيث أن الشركاتِ الناشئة كانت تبحث عن الطلاب في إجازاتِ المدارس لتستفيد من طاقاتهم. وكان قطاع البناء محتاجاً لما يتوفر من أيدٍ عاملة مع البدءِ في مخططاتٍ سكنية جديدة وتوافر قروضِ البناء. كان أجرنا قبل نهايةِ السبعينات يعدل ثلاثين ريالاً أجرة يومِ عمل، وكنا نعمل كل يومٍ تقريباً. وعندما يأتي شهر رمضان في فصلِ الصيفِ كان العملُ ليلاً.

ليس العمل في عطلة المدارس حاجةً بل هو ثقافة وأسلوب حياة، إذ أنه في الدول المتقدمة اقتصادياً حيث لا يحتاج الصبي أن يعمل فهناك جهدٌ كبير تبذله العائلةُ في دفع أبنائهم نحو العمل في الإجازات الطويلة نسبياً، فترى الطلاب والطالبات يعملون في المطاعمِ والمتاجر، وتوزيع الجرائد، ويعلنون عن الخدماتِ التي يمكنهم القيام بها مقابل أجرٍ بالساعة مثل جز العشب، ورعاية الأطفال، أو الصيانة وتنظيف الحدائق المنزلية. وكثيرٌ من الطلابِ الكبار كانوا يعملون في مكتباتِ الجامعات وإعطاء حصصٍ لبعض الطلبة الآخرين.

كل هذه الأعمال البسيطة سوف تكون جملاً رائعةً عندما يكتب الطالبُ أو الطالبة السيرةَ الذاتية بحثاً عن عملٍ بعد إنهاء الدراسة الجامعية، إذ يهتم أصحاب العمل في معرفة مجملِ ونوعيةِ التجارب العملية التي قام بها من يرغب في الإنضمام لهم وينظرون لها بإيجابية. سوف يغريك اللعبُ لإضاعةِ الوقت والرغبةُ في الراحةِ للنوم طويلاً، ولكن ربما من الأفضل لو عملتَ ولو لشهرٍ واحدٍ في طول الإجازة المدرسية.

إن كنت مهتماً بعمل أبناءك في إجازة الصيف، ربما من الأفضل لو ساعدتهم في البحثِ عن عملٍ إن لم يكن لديك شركة أو منشئة خاصة بك، حتى لو عملوا دون أجرٍ لدى مؤسسةٍ تقبلهم وتكفلت أنتَ بدفع مبلغٍ رمزي لأبنائك. سوف تعرف قيمةَ هذه التجربة في مستقبلهم من حيث الجدية والإنضباط، وربما تحسن الأداء في الدراسة. الطبيعة لا تقبل الفراغ، فاليدُ الفارغة والعقلُ الفارغ سوف يعمل الشيطانُ على ملئها. لا تخشى على ابناءكَ من العمل والتعب، بل من الأفضلِ لو خفتَ عليهم من الفراغِ وما قد يفكرونَ في القيامِ به أو يقومونَ به عندما يُضجرهمْ طولَ الوقت!

مستشار أعلى هندسة بترول