الاجتهاد.. أفهامٌ خلاقةٌ لحياةٍ متجددةٍ!
احتضنت محافظة القطيف حفلين غنائيين ضمن برنامج موسم الشرقية الترفيهي في مارس الماضي، شهدا إقبالاً واسعاً، حيث بيعت جميع التذاكر في وقت مبكر، وحضر الجمهور بكل أدب ورقي، ما ساهم في إنجاح الأمسيتين بشهادة الفنانة السورية أصالة نصري، التي أحيت الحفل الأول.
إقامة الحفلين تعد حدثاً تاريخياً بالمعنيين الثقافي والاجتماعي، فهذه هي المرة الأولى التي تحضر فيها سيدة لتغني في محفل عام، بكامل أناقتها وفنها، بمدينة القطيف، وسبق حضورها جدل واسع في المجتمع، كنت أشرت له في مقال سابق بعنوان ”الترفيه.. نقاش الحرية والهوية“، وهو الجدل الذي استمر حتى بعد أن صمت السامر، وعاد السمار! إلا أن حيوية النقاش دليل على تعددية الأفكار في المجتمع، وأن علماء الدين التقليديين ليسوا هم الممسكين وحدهم بزمام الرأي في القطيف، بل يشاركهم في ذلك علماء مجددون، ومثقفون، وشخصيات اجتماعية وفنية، وأصحاب رأي، كان لهم تأثيرهم على المتابعين، واستطاعوا تشكيل وجهة نظر أعلنت عن نفسها بصراحة ودون قلق: أنها مع وجود الحفلات الموسيقية، ومع تكريس حرية الاختيار، والحق في الفن والتعبير عن الذات بمختلف أشكالها.
وسط هذه الآراء، أتت وجهة نظر خاصة، عبر عنها الشيخ حسين علي المصطفى، في حسابه ب ”تويتر“، حينما انتقد التعميم في تحريم الموسيقى والغناء، واعتبر أنهما طريقان لسمو النفس البشرية وجمالها وكمالها.
أهمية تغريدة المصطفى، أنها جاءت من عالم دين، له مكانته العلمية. وشخصياً سمعت من بعض الأساتذة من يعده ”فقيهاً“، أي أنه صاحب رأي واجتهاد، وليس مجرد باحث يرجح بين رأي وآخر من آراء الفقهاء.
العلامة المصطفى وفي تغريدته، لم يذهب فقط إلى جواز الموسيقى والغناء، وأنهما من الفنون المباحة. وإنما اعتبرهما يسموان بالنفس، ويمنحان إياها الطمأنينة، ويبعثان على صفاء الروح والعقل.
الموقف الفقهي للمصطفى، أتى نتيجة بحث معمق في متون كتب الفقه والحديث، والأهم من ذلك، البحث عن مفهوم الاجتهاد بمعناه الحديث، وعلاقة ”النص“ بالزمان والمكان، وإذا ما كان الفقه تابعاً لعصره، أو أنه نص أبدي؟
الأسئلة أعلاه استطاع الشيخ المصطفى أن يتجاوزها علمياً، من خلال فهم أشمل للدين، معداً أن الدين أتى لخدمة الإنسان، وسعادته، وتطوره، وسموه، وأن الدين أعطى مكانة كبرى للعقل، وخص مصالح الناس وحيواتهم باهتمامه، وعليه فإن المقاربة للقضايا المعاصرة للفرد المؤمن، لا تصح وفق آليات قديمة، وأفهام تقدس آراء الرجال، وتقف مبجلة مصنفات الفقهاء الماضين، مع كامل الاحترام لجهودهم. وإنما، يجب أن تكون هنالك جرأة علمية، تقرأ الواقع ببصيرة، وتمتلك الأدوات المعرفية التراثية، وتزاوج بينها وبين المناهج الحديثة، لتنتج أحكاماً فقهية، وخطاباً دينياً يلبي احتياجات المؤمنين في زمانهم الحالي..
وللحديث بقية.