آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

القطاع المالي بين السكون والحراك «3»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

لبرنامج تطوير القطاع المالي مرتكزات محددة منها تطوير سوق مالية متقدمة، وأهداف طموحة منها مضاعفة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من أن القطاع المالي عايش توسعا متتابعا على مدى عقود، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإرضاء التطلعات، لا من حيث تنوع الأنشطة، ولا من حيث الحصة من الأنشطة الإقليمية، ولا من حيث المساهمة في الاقتصاد المحلي، ولا من حيث المساهمة الاجتماعية. كل هذه ”اللاءات“ تضافرت لتوجد توجهات جديدة نابعة من الطموح بأن بوسع القطاع المالي السعودي أن يحقق أكثر مما تحقق في الماضي. وليس محل جدل أن هذه التطلعات مشروعة وواقعية إلى الحد البعيد، أخذا في الاعتبار أن الاقتصاد السعودي هو الأول في إقليمه من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك فليس للقطاع المالي السعودي وجود إقليمي يليق بتلك الإمكانات. إذ ليس من المبالغة القول، إنه قطاع منكفئ على الداخل ومشغول به، فيما عدا آحاد من الصفقات هنا وهناك. 

الحديث هنا عن أهمية أن تكون الرياض مركزا ماليا إقليميا رئيسا في الخدمات المالية بأنشطتها المتعددة بما في ذلك سوق الدين أو سوق الملكية ومنتجات المصرفية الإسلامية، وكذلك فيما يتصل بالتمويل العقاري وتسنيد قروضه، ولا ننسى التأمين وإعادة التأمين. وما يجعل هذا الطرح مبررا، وهو قديم على كل حال، الإمكانات المتاحة التي يتفرد بها الاقتصاد السعودي، وكذلك مؤهلات القطاع المالي السعودي التي لم توظف لاعتبارات عدة. الآن، نحن أمام واقع جديد وهو إعادة هيكلة القطاع من خلال برنامج رئيس من برامج تحقيق ”رؤية المملكة 2030“ وهو برنامج تطوير القطاع المالي. وعلى الرغم من أن ما يسعى البرنامج لتحقيقه يتجاوز بكثير ما يطرح هنا من تطوير وتوسيع دائرة الأنشطة التي تمارسها مصارفنا وشركات التأمين، وما يتطلبه من توسيع دائرة اهتمامات الجهات المنظمة لسوق المصرفية التجارية والتأمين والمصرفية الاستثمارية، إلا أن ثمة أمرا يتطلب جدولته ووضعه في سياق زمني واضح ومحدد وهو جعل سوق الخدمات المالية السعودية سوقا إقليمية، تقدم خدمات للإقليم بكامله. وبطبيعة الحال، فالأمر يعني أكثر من مجرد فتح حسابات وقبول ودائع، بل إعادة إطلاق سوق الخدمات المالية ”بأنشطتها المتعددة“ لتقدم خدماتها لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برمتها من دول عربية وإسلامية، وهذا سيمنح بعدا آخر من الناحية التنظيمية بما في ذلك الترخيص للممارسين، وكذلك للعلاقات مع المستثمرين، وليس من شك أن ذلك التحول الإقليمي سيلقي بظلال إيجابية على جهود وبرامج ومبادرات ذات أولوية، ولا سيما ما يتصل بالتنويع الاقتصادي، منها على سبيل المثال لا الحصر برنامج الخصخصة الضخم الذي تعمل المملكة بقطاعاتها المتعددة على تنفيذه.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى