آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

حرية التفكير

رجاء البوعلي * صحيفة الرأي السعودي

القول بأحقية حرية التفكير يأتي ضمن الاعتراف بدور الفرد وعقله كعنصر أساسي في النهوض الفكري وتحريك المياه الآسنة في ذهن الإنسان، فتكرار عبارة ك «اتبع عالم واطلع سالم» تحمل روح داعية للتكاسل والخمول وتشريع للاتكالية وتجميد قدرة الإنسان على التفكير واتخاذ القرار، برميه على عاتق شخص آخر أيًا كان، فأين دور الفرد؟

لا خلاف حول صعوبة الفصل في بعض القضايا المعقدة ولكن ليس كلها! فشؤون الحياة أوسع من أن تُختزل في عبارة، ثم أن قوله تعالى «كل نفسٍ بما كسبت رهينة» يضع الفرد أمام مواجهة قراره الذي تماهى في مقولة الاتباع، والتي تم تصعيدها لمرتبة قاعدة يعتمد عليها الإنسان حتى أثرت جذريًا في تعاطيه مع شؤون الحياة، فحصد نتائجها لدرجة تقارب الحجر على التفكير وتعطيل دوره الإنمائي، ألا نرى كيف يتقدم عمر أحدهم ويتراجع فكره؟ كيف تُصغره تجارب الحياة وتُسطحه بدلًا من أن تُكبره وتُعمق فهمه! ويكفي أن نلاحظ آفاق التفكير لدى خريجات دفعة جامعية بعد مرور عشر سنوات.

وبعد هذه الملاحظات، لماذا الانزعاج من حرية التفكير؟ إنها مساحة تُعطى لنظيرك كما تُعطى لك، غير أن الإنسان منحاز بطبيعته لما يشبهه ويمثله، ولكن ثمة فرقًا بين من يسعى لترويض نفسه لتقبل الآخر والاعتراف الفعلي بحقه في التفكير والاختيار، وآخر يعزز أحاديته الفكرية برفضه ومحاولة إلغاء المختلفين عنه، وهذه لازمة لم يسلم منها الإنسان بصرف النظر عن انتمائه واتجاهه، فالكل يحاول إزاحة الآخر بشكل ما ضمن لعبة الصراع البشري.

جدير بالإشارة أن الحديث عن حرية التفكير لا يعني إثارة الفوضى كما يظن البعض - وإن حدثت فهي ليست إلا دلالة على اختلاف أنماط البشر وتعدديتهم الحتمية - فقد ذهب «ديكارت» بأن لا فرق بين عقل وعقل إلا في كيفية استعماله، وهذا ما ينتج التمايز الطبيعي في مخرجات التفكير، فعملية التفكير عملية رياضية ليست سهلة على من تركها وليست صعبة على من تمرن كثيرًا عليها، إنما تتمدد أو تنكمش وفقًا لآفاق حامليها وأهدافهم في الحياة.