آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

تعليقًا على ندوة وكتاب التسامح والعقلانية

أمين محمد الصفار *

في أمسية باذخة تناول منتدى الثلاثاء الثقافي في إحدى ندواته لهذا الموسم التاسع عشر قراءة لكتابة التسامح والعقلانية لفضيلة الشيخ حسن الصفار. وبالرغم من تعدد الجوانب التي تناولها الضيوف والحضور في تعليقاتهم حول الكتاب إلا أن هناك بعض النقاط التي أرى انها جديرة بالطرح وأن الكتاب لم يعطها حقها في التناول. واقتصر الحديث هنا حول حدود أو نطاق: الإيمان بالعقل والتقديس والتسامح.

أن حالتا الإفراط التفريط لعلهما كمجموع هما الأكثر مشاهدة في حياتنا المعاصرة من حالة الوسطية، التي وأن كانت هي الفطرة السليمة الا أنها ليست الحالة الاسهل اتباعًا أو تطبيقًا، أنها تتطلب مقدمات وتأهيل أكثر، كما تتطلب جهدًا وقدرة أكبر لضبط الإيقاع سيما في حالة الانتقال من حالة الي أخرى، عندما تختل أو تضطرب الموازين. فطبيعة العقل والعلم هي طبيعة سائلة متجددة غير مستقرة، ولعل ذكر حالة الزيادة الكبيرة في عدد الكبائر كما جاء في الاستشهاد الوارد في الكتاب هو ناتج من تطور العقل والزمن والوسائل. أما حالة الإيمان بالغيب وكل الإيمانيات هي ذات طبيعة مختلفة أقرب لطبيعة الاستقرار، وقد مدح الباري سبحانه وتعالى في كتابه الكريم العقل وحث على استخدامه وتفعيل، كما مدح أيضا الإيمان والمؤمنين بالغيب تحديداً. لذا فأن فهم العلاقة بين الإيمان بالعقل والإيمان بالغيب «وليس الإيمان بالخرافة» يحتاج أن يكون في إطار العلاقة التكاملية وليس ضدية.

أن الإيمان بالعقل المتطور ذو الطبيعة المتجددة - الذي كرمه الله تعالي - لا يجب أن يصل أو يدخلنا إلى حالة أو درجة الشرك بالله به، وأنه - أي العقل - على كل شيء قدير، فنحتاج لخلق فاصل بيّن بين الحالتين، فالعقل هو أداة من أدوات معرفة الخالق وهو محدود الطاقة والنطاق، فللعقل صفات وطبيعة محددة، واستخدامه والاستدلال به ضمن إطار محدود أيضا - مهما بلغ - دون مبالغة، فاستخدامه في مسار معرفة الغيب مثلا هو أمر مخالف لطبيعته، فالايمان بالغيب يحتاج لأدوات أخرى غير العقل الذي ليس لديه قدرة للوصول إليه، وإن كان للعقل مساحة هنا فهي مساحة محدودة وليست تامة.

أما التقديس الذي هو بمعنى إظهار التبجيل، فمن حيث المسمى لا أعتقد أن هناك خلاف حوله، ولكن بالاستخدام العام حاليا، اصبحت كلمة التقديس تهمة بدلاً من أن تكون منقبة، فهي الان تهمة نوجهها بتلقائية عمياء أحيانًا لاتهام الآخرين في أي جدل هنا أو هناك، لقد أصبحت الكلمة الدبلوماسية الحديثة وهي «الاحترام» هي البديل المفروض فرضًا لكلمة تقديس «التهمة».

في الواقع المعاش نرى أن التقديس «التهمة» عادة مانرمي بها أي مظاهر تبجيل تجاه فئة طلبة العلوم الدينية «المشايخ»، وفي نفس الوقت نرى أيضا نفس تلك المظاهر من التبجيل - تقريبًا وربما أكثر مبالغة أحيانًا - لبعض حملة الشهادات الأكاديمية «كالدكتوراه» بشكل أكثر غرابة من غيره، لكن نصفه بأنه احتراماً وليس تقديسًا، هذا المثال هو محاولة للتوصيف وليس اعتراضًا بالطبع. ولعله هنا يحق لنا التساؤل أو الربط عن سر قبول وتهافت بعض طلبة العلوم الدينية - حتى اؤلئك الذين لديهم حساسية مبالغ فيها لكل ما هو غربي - على إضافة لقب دكتور للالقاب الدينية الأخرى التي حصل عليها.

وأخيرا اقول أن التسامح سمة تمتاز بها أفراد ومجتمعات عن غيرها، وهي غالبا أيضا تدفع ثمنًا لهذا التمايز، قد يبدأ دفع هذا الثمن بالفهم الخاطئ لتفسير لآخر للتسامح ويتمد ليكون حالة من الحسد مرورا بالضغينة والسباب وانتهاءً بالكراهية وحتى القتل كما حدث في قصة أبني نبينا آدم عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام. أننا نفهم التسامح على أنه تفاعل متبادل بين طرفين أو أكثر وليس فعل آحدي الجانب، لذا فأن الحاجة ربما هي أكثر إلحاحا الآن للتوصيف على هذا الأساس والتشجيع للدفع بهذا الاتجاه.

لقد فمهت من التعليق فضيلة الشيخ حول القراءة في كتابه التسامح والعقلانية في رده على مطالبة بعض الضيوف بالجرأة بالطرح، بأنه يطلب من الحضور الجرأة أيضا في نقد الكتاب بمستوى الجرأة التي تطلبونها مني.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
تاروتي
[ تاروت ]: 28 / 4 / 2019م - 9:06 م
عجبتني كلمة (باذخة) بس اظن ان الكاتب ما يعرف معناها
لان الكلمة لا علاقة لها بالندوة
ثانيا: اذا كان موضوع العقل مو ضمن فكرة الكتاب كيف تنتقد الكاتب انه ما ذكرها؟
2
أمين محمد الصفار
29 / 4 / 2019م - 11:31 ص
شكرا للاستاذ التاروتي
ما كتبته كان تعليقًا لا نقداً. انظر العنوان.
- كتبت أنه (جدير بالطرح) والكتاب تطرق للعقل أيضا.
- "أن بعض الظن إثم"