آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 1:42 ص

الجبهات.. الاغراض

محمد أحمد التاروتي *

يتحرك البعض وفق قاعدة صناعة الاعداء، باعتبارها الطريقة الفضلى لممارسة الدور التضليلي، ومحاولة اختراق جدار الرفض لدى البيئة الاجتماعية، اذ لا يكاد ينتهي من عدو حتى يفتح جبهة اخرى، نظرا لصعوبة العيش في سلام ووئام مع الذات والاخرين، الامر الذي يتمثل في اختلاق معارك جانبية على الدوام، فضلا عن الاشتغال بالصراعات الرئيسيّة.

البحث عن الصراعات والسعي الدائم لخلق العداوات، يكون احيانا للشعور بالتهميش وعدم البروز بالشكل المطلوب في المجتمع، مما يدفع باتجاه تفجير صراعات داخلية، سواء على الصعيد المحدود او الكبير، من اجل لفت الانتباه ومحاولة ايجاد موطئ قدم في صنع القرار، بينما تتمحور سياسة اختلاق الاعداء احيانا اخرى، في التحرك لإعطاء صورة مغايرة تماما للانطباعات السابقة، فالخائن يحاول إثبات ولاءه عبر سلسلة من المناوشات، مع بعض الاطراف تقف في الجيش المقابل، وبالتالي فان القناعات الذاتية ليست اولوية لهذا الفريق، خصوصا وان التلون والتقلب السمة البارزة لدى هذه الشريحة، فهي غير قادرة على التمسك بموقف ثابت على الدوام، الامر الذي يعطي دلالة على الاهداف المشبوهة في الصراعات، التي تخوضها مع مختلف الاطراف.

اختيار المناطق الرخوة احدى الاساليب المتبعة، لدى اصحاب العداوات الدائمة، فهذا الفريق يتحاشى التعرض للمناطق الصلبة، نظرا للمخاطر المترتبة لتوجيه السهام اليها، خصوصا وان سهام العداوة غير قادرة على اختراق المناطق الصلبة، مما يمهد الطريق لظهور الحقائق سريعا على الملأ، وبالتالي فان البحث عن المناطق الرخوة يشكل عنصرا اساسيا، في القدرة على ادارة الصراع بالطريقة المرسومة، لاسيما وان القدرة على الصمود تختلف من طرف لاخر، مما يستدعي توجيه الاتهامات للعناصر الأضعف، لتسجيل الانتصارات خلال فترة زمنية قصيرة، نظرا لعدم قدرة الاطراف الضعيفة، على مواصلة الصراع حتى النهاية، مما يدفعها لتقديم التنازلات، او رفع الرأية البيضاء في نهاية المطاف.

محاولة الهروب من التاريخ الأسود، والعمل على كتابة صفحات جديدة، يدفع باتجاه البحث الدائم عن الاعداء في المجتمع، خصوصا وان الانقلاب على اصدقاء الامس، يشكل اقصر الطرق لتبيض الصفحات السوداء السابقة، الامر الذي يتمثل في توجيه سيل من الاتهامات لرفقاء الطريق السابقين، باعتبارها الطريقة المثالية للتقرب من المجتمع، او مسح الصورة السابقة، لاسيما وان مواصلة المشوار السابق ينسف مجمل المكاسب، مما يستدعي وضع استراتيجية جديدة تعتمد على اثارة الصراعات، وفتح المزيد من الجبهات، سواء كانت مع أطراف بعيدة او قريبة، فهذه الاطراف ليست في وارد الاعتراف بالجميل، تجاه اصدقاء الامس، بقدر اهتمامها بمجمل المكاسب المترتبة، على اختلاق العداوات، سواء في المرحلة الحالية او المستقبلية.

القدرة على اكتشاف الاغراض الحقيقية، وراء افتعال الصراعات، تمثل السلاح الفعال في نزع فتيل المعركة، فهناك أطراف ليست في وارد إعطاء الفرصة، لاثارة الخلافات مهما كانت المبررات، مما يدفعها لتجاهل مختلف انواع الإساءة، او محاولة إقحامها في أتون معركة تافهة، او ذات أغراض شخصية، الامر الذي يقضي على الخطط المرسومة لدى اصحاب الصراعات، وبالتالي فان امتلاك الرؤية الواضحة، وتوافر القدرة على اكتشاف حقيقة افتعال الصراعات، يقود الى إخمادها في المهد، مما يفوت الفرصة للاصطياد في الماء العكر.

كاتب صحفي