آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

«عاصوف القصبي» وقلق التهويل

ليالي الفرج * صحيفة الرأي السعودي

في الإبداع، عندما تتحول الكلمة إلى حركة، ويتشكّل النصّ الروائي في فعل درامي دينامي، فإنّ الساكن يتحرّك، والمتواري يظهر، ويكسر مبدأ القصور الذاتي، حتى تأخذ الدراما واقعًا تأثيريًا عبر عدة أبعاد فنية ونفسية ونقدية، يجمعها الفعل الثقافي القادر على استفراغ الطاقة الشعورية والفكرية في بوتقة التفاعل الاجتماعي الذي يكون لديه الاستعداد للانتقال عبر معادلات زحزحة المفاهيم وتصحيح القناعات.

«العاصوف» الرمضاني الذي انتقل من الكساء السردي «بيوت من تراب» للمبدع الراحل عبدالرحمن الوابلي، جاء وزن صياغته «فاعول» من الكبير ناصر القصبي، وكأّنه يستمد من ذلك دلالة الشِدّة الفعلية التي تشير إليها مجموعة الوقائع والأحداث التي أفرزتها تحوّلات، لا يمكن تغافل مقاربتها النقدية والاجتهاد في تفسير جذور نشأتها، ثم تنامي حضورها وحجم التوجهات الإقصائية في مجمل محتواها الفكري وأيديولوجيتها التي تتداخل في جوفها جزئيات الأكسجين التائه عن الهواء النقي الذي يتنفسه الجميع.

من هذه الجهة، يأتي الجزء الثاني من «العاصوف» متكاملًا مع جزئه الأوّل، في توجه لقراءة وتحليل الواقع الذي أفرزته جميع الظروف الزمانية والمكانية، وأناخت بحمولاتها الفكرية وقناعاتها على صدر مسافات زمنية كانت كلفتها ولا تزال عالية، نتيجة درجة السُمِّيّة الفاتكة بعقول اليافعين والشباب.

ومن جهة أخرى، يشهد المشهد الاتصالي الثقافي والاجتماعي الحديث نقاشًا محتدمًا ومعارضًا، لمقاربة قد تكون مؤلمة لدى من يعترض على كل أو بعض التفاصيل التي يقدمها عمل «العاصوف»، وربما هذا يعود لطبيعة القلق الذي يتكون لدى البعض خلال عملية المشاهدة والتلقي لعمل هكذا.

مثل هذه الأعمال، التي يشكل إخراجها إلى صورة درامية متفاعلة، لابد أن توازيها ردود أفعال وآراء متباينة، وقد يكون منها ما هو محلّ تحفّظ حول طرح العمل الفني وسياقاته، وهذا يبدو واضحًا خلال التفاعل السلبي لـ «الوسوم التويترية» الداعية لمقاطعة عمل دراميّ ك «العاصوف»، وهذا قد يكون محصلةً لتفسيراتهم التي قد تتوقع تهويلًا ومبالغة في معالجات وسيناريو العمل الفني الدرامي، بكل تفاصيله.

وحيث إنّ «العاصوف» يفترض أن تكون مرّت نحو ستّ حلقات منه، مع موعد نشر هذه المقالة، فإنّ توقعًا حول تشكل حالة جدلية عند ذلك، هو أمر قائم جدًّا، وهنا سيكون الأمر بحاجة إلى حالة رشد ووعي يستطيع أن يتقبل الآراء في حواريات تستدعي ألا تخرج عن مسار وأدبيات الوعي الجامع، والثقافة التواصلية إيجابيًا، إنّ الحالة العامّة تميل نحو ثقافة تلتفت للمنعطفات الحادّة التي مررنا بها سابقًا، وكل فعل ينشر الفكر الوقائي والوعي، سيكون حصنًا منيعًا وأمانًا لوطننا، وبالتالي لنا ولكل الأجيال.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.