آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

المجد الباطل

في كلٍّ منا خصائص وامتيازات لا يملكها سواه، وإذا نظرنا إلى خارطةِ ما أعطانا اللهُ من فوارقَ فهي تُظهر ندرةَ وثمنَ ما أعطانا من الميزاتِ المختلفة عن غيرنا، والسر في النجاح هو كيف نجعل من الفوارقِ مادةً مفيدةً وننميها. هذا يملك المالَ وذاك يملكُ العقل، ولكن كيف نصنع الجوهر من المادةِ الخام؟

يمكننا كلنا، وبكل بساطة، أن نصنع المجدَ الزائف والشهرةَ التي تزول بما نملك من أدوات، ولكن ليس كلنا يصنع المجد الحقيقي! إذ أن صناعةَ المجدِ الزائف تتناغم مع السقوط نحو اتجاه الجاذبية الأرضية التي تشد الأشياءَ نحوها، أما صناعة الجوهر فهي تستدعي أن يخالف صانعها قانونَ الجاذبيةِ في التسافل. كانت هذه نصائح قلتها لصغيري يومَ أمس، وربما لم يدركها بكل عقله ولكنه وعاها بقلبه والقلب أحد المداخل الرئيسة إلى زوايا العقل:

يحكى أنه بينما كان الحجاجُ يطوفون بالكعبةِ قام أعرابي فحسر عن ثوبه وبالَ في بئرِ زمزم، فما كان من الحُجاج إلا أن انهالوا عليه بالضربِ حتى كاد أن يهلك. خلّصه الحرسُ من أيديهم وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلتَ هذا؟ قال الأعرابي: حتى يعرفني الناس، ويقولون: هذا فلانٌ الذي بالَ في بئرِ زمزم! بقيت قصة الإعرابي في الفكاهات ولكن لم يذكر التاريخ اسمه لأنَّ المجدَ الزائف لا يحتاج دليلاً يدل عليه.

توفي ألبرت آينشتاين يوم 18 أبريل 1955م في عمر 76 عامًا، وقد أوصى بحرق جثمانه ونثر الرماد حتى لا يتم سرقته أو دراسته أو العبث بجسده أو أجزاء منه، لكن توماس هارفي، الطبيب الشرعي في مستشفى برينستون، سرق دماغ آينشتاين متجاهلاً لرغبات آينشتاين وأسرته، وقام في وقتٍ لاحق بإقناع ابن آينشتاين ”هانز ألبرت“ بمنحه إذناً للاحتفاظِ بالدماغ ودراسته، مع وعدٍ بمشاركةِ الدراسة مع باحثين آخرين واستخدام النتائج فقط لمصلحة العلوم ونشر الأبحاث في المجلات المتخصصة. تم اكتشاف العديد من الحالات الشاذة التي قد تكون السبب في عبقريةِ آينشتاين بما في ذلك نسبة أعلى من المتوسط لمعدل الخلايا الدبقية بالمقارنة مع نسبة الخلايا العصبية، ودور هذه الخلايا في تدعيمِ وتغذية الدماغ، وتشكيل المايلين الذي يعمل على تغلفةِ وعزل الخلايا العصبية والمساعدة في نقل الإشاراتِ عبر الدماغ. وكان الفرق الآخر بين دماغ أينشتاين ودماغ الأفراد ذوي الذكاء المتوسط هو الجسم الثفني الأكثر نموًا، وهو مجموعة من الأعصابِ التي تسمح بالتواصل بين نصفي الدماغ، ويعتقد بعض الباحثين أن هذه الاختلافات وغيرها سمحت بتحسين الأداء والتواصل بين الأجزاء المختلفة من دماغ آينشتاين، الذي جعل منه أعظم عبقريةٍ في العصر الحديث.

أعتقد أن عظمة آينشتاين وعدم إغفال التاريخ اسمه لم تكن فقط لأنه يملك الفوارقَ الطبيعية التي لم تكن بمحض إرادته، ولكن عظمته جاءت لأنه لم يستخدم الأدوات التي امتاز بها في منحنى الهبوط، وأن يكونَ أعظم لصٍّ أو محتال وكيف يقدم للسراق الطرق المبتكرة لكسر خزائن المال، إذ ربما برع في ذلك لو أراد، ولكنه استخدمها في منحنى الإرتقاءِ والتسامي...

مستشار أعلى هندسة بترول