آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

شهر ضيافة الله «7»

محمد أحمد التاروتي *

مسؤولية الكلمة تقع على صاحبها بالدرجة الاولى، فاذا كانت نافعة ترفع قائلها عاليا في المجتمع، وتجعله في مقامات ومواقع متقدمة للغاية، لاسيما وان الكلمة ذات تأثير بالغ نتيجة الأثر الذي تحدثه في النفوس، الامر الذي يستدعي الاختيار الدقيق للكلمة قبل اطلاقها، اذ بمجرد خروجها من صاحبها يصعب السيطرة عليها، ”الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك، فرب كلمة سلبت نعمة“، لذا فان التريث في الكلام يحمي المرء، من الدخول في متاهات يصعب الخروج منها، نظرا للاثار التدميرية التي تتركها في النفوس.

بالمقابل، فان الكلمة السيئة تحط من قدر صاحبها، وتجعلك في الدرك الأسفل، فضلا عن الاحتقار الكبير من لدن مختلف الشرائح الاجتماعية، نظرا لصعوبة تفادي ألفاظه النابية، وغير المسؤولة على الاطلاق، لذا فان المجتمع يضع الكثير من المحاذير، في التعاطي مع اصحاب ”اللسان الطويل“، الامر الذي يتمثل في محدودية الدخول نقاشات مع هذا الصنف، او الابتعاد قدر الإمكان عنه في الإمكان العامة، نظرا للخطورة المعنوية التي يمثلها على السلوك والذوق العام، فهذه الشريحة الاجتماعية تنشر الامراض المعنوية، وتقضي على بعض الاخلاقيات، كما يقضي الوباء على الكثير من المجتمع.

اللسان باعتباره السلاح الاكثر قدرة، على ضبط إيقاعات الألفاظ، فان التحرك الجاد لوضع الضوابط الصارمة، في اختيار الكلمات عملية ضرورية، من اجل احتفاظ الانسان وكرامته، واحترامه تجاه الاخرين من جانب، والمحافظة على الألفاظ الصالحة، ونبذ الكلمات النابية بالمجتمع من جانب اخر، لذا فان السلوك الحسن يمثل المفتاح نحو خلق البيئة الصالحة، للتعود على الكلام الطيب، وترك الخطاب السيء، ”واحفظوا ألسنتكم“.

عملية اختيار الكلمة الطيبة، مرتبطة بالأجواء العائلية، والتربية الصالحة، فالأسرة التي تسودها المحبة، والبعيدة عن المشاحنة، والخلافات الداخلية، تخلق الظروف المناسبة لاستقامة اللسان، عن الألفاظ الجارحة، نظرا لاختفاء تلك الكلمات النابية من التعاملات اليومية للعائلة، الامر الذي ينعكس على المخزون الكبير من الكلام الطيب، وانحسار الألفاظ السيئة، مما ينعكس على استقامة اللسان، ونوعية الخطاب مع المجتمع، وبالتالي فان الاسرة تمثل المدرسة الحقيقية، لوضع اللسان على المسار الصحيح، فهي تخلق أفرادا يمثلون القدوة الحسنة في البيئة الاجتماعية.

بالاضافة لذلك، فان البيئة الخارجية تلعب دورا حيويا، في تشكيل المخزون الفكري لدى المرء، بحيث يترجم على شكل مفردات، وممارسات يومية في الخطاب مع الاخر، فاذا كانت البيئة الخارجية صالحة فانها ترفض الانحدار، والتنابز بالألفاظ، وتعمل على الارتقاء بالخطاب، بما يفضي حالة من الاحترام المتبادل، خصوصا وان الكلمة الطيبة تكشف المعدن الصالح لصاحبها، بخلاف الكلمة السيئة التي تترك انطباعات سلبية على أصحابها، وبالتالي فان البيئة الخارجية تسهم في تشكيل الخطاب لدى الافراد، الامر الذي يفسر الحرص على محاربة الخطاب الفاسد، ونشر المفردات ذات الأثر الايجابي في النفوس.

شهر رمضان يشكل موسما خصبا، للارتقاء بمستوى الخطاب لدى المرء، من خلال التمسك بالمفردات الجاذبة وترك الكلمات الطاردة، نظرا للانعكاسات الايجابية لسيطرة الخطاب الاستقطابي، على مختلف الشرائح الاجتماعية، ”ومن صام شهر رمضان في إنصات وسكوت وكف سمعه وبصره ولسانه وفرجه وجوارحه من الكذب والحرام والغيبة تقربا، قربه الله منه حتى تمس ركبتاه ركبتي إبراهيم خليل الرحمان “.

كاتب صحفي