آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

أَيُّ شَيءٍ في العيدِ أُهدي إِلَيكِ؟

صبيٌّ في الخامسة أهدى إليه والدهُ بوصلةً أشعلت فيه جذوةَ  نار عشق الرياضياتِ والفيزياء. كانت الهديةُ صغيرةً لكنها غيرت حياته، وبدأ عقله ينشغل بالقوى الخفيةِ التي تعمل وتحرك ابرةَ البوصلة دونَ أن يراها مما جعله ينشد لمعرفةِ القوانينِ الخفية في الطبيعة. قال عن هديته أنها حفرت في نفسهِ انطباعاً عميقاً ودائم. ليس ذلك الصبي سوى ”ألبرت أينشتاين“!

أجمل الهدايا هي تلك التي تأتينا وأجسادنا لا تزال غضةً طريةً تنقش فيها الذكرى كما ينقش في ذاكرتنا أولُ معلمٍ لنا حروفَ الأبجدية. لم تصنع منا الهدايا كلنا علماءَ أو عباقرة ولكنها في لحظةٍ ما أشعرتنَا بأننا لا مثيلَ لنا عند من أعطانا الهدية، بل لا مثيلَ لنا في الدنيا بكليتها ”هي لك أنتَ يا صغيري“. وأجمل من الهدايا المادية، هدايا ليس لها ثمن، وهي الكلمات الرقيقة التي تغذينا بالطاقة والشجاعة والربَّت على أكتافنا خفيفًا ثم تهدأ عواصفنا الصغيرة ونستريح.

ليس فقط بالأكلِ والشرب نكبر ولكن بما يكتبه ويطبعه الكبارُ في عقولنا من أننا سوفَ نملأ الدنيا بالمنجزاتِ وسوف نكون في عدادِ الفاعلينَ في الحياة، كما تقتلنا وتميت مشاعرنا قبل موتها الكلماتُ التي تقلل من قيمتنا وتشعرنا بالخيبة، وأننا لن نكون ذوو قيمةٍ في الحياة. آباءنا وأمهاتنا ومعلمونَا لديهم أقلامُ القدر، يكتبون على نواصينا نبوءتهم فيما سوف نكون، وأغلب الظن أن حدسهم لن يخيب لأنما نسمعهُ ونحن في عجينةِ التشكلْ يسري في دمائنا حتى الموت. ”كلٌّ ميسرٌ لما خُلق له“ فلو أعطيت فرَّاناً أثمنَ الكتب ربما جعلها لفافاتِ خبز ولو أعطيتَ البوصلةَ لصغيرٍ غير أينشتاين قد يقذفها في القمامةِ قطعةً قطعة، لكن من يدري بالأقدار؟

لا شيء أرخص ولا شيء أغلى من هدايا الكلمات، هي تحيي وتميت، اهديها لمن تحب إن ضاقت بك الحال أو اتسعت:

أَيُّ شَيءٍ في العيدِ أُهدي إِلَيكِ
يا مَلاكي وَكُلُّ شَيءٍ لَدَيكِ
أَسِواراً أَم دُمُلجاً مِن نُضارٍ
لا أُحِبُّ القُيودَ في مِعصَمَيكِ
أَم خُموراً وَلَيسَ في الأَرضِ خَمرٌ
كَالَّتي تَسكُبينَ مِن لَحظَيكِ
أَم وُروداً وَالوَردُ أَجمَلُهُ عِندي
الَّذي قَد نَشَقتُ مِن خَدَّيكِ
أَم عَقيقاً كَمُهجَتي يَتَلَظّى
وَالعَقيقُ الثَمينُ في شَفَتَيكِ
لَيسَ عِندي شَيءٌ أَعَزُّ مِنَ الروحِ
وَروحي مَرهونَةٌ في يَدَيكِ

"إيليا أبو ماضي"

مستشار أعلى هندسة بترول