آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الأزمة بين أمريكا وإيران.. إلى أين؟

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

تصاعدت في الأيام الأخيرة، حدة الأزمة بين إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، والحكومة الإيرانية، إثر انتهاء فترة التسهيلات الممنوحة لبعض الدول، لاستيراد النفط الإيراني. وبدأت نذر الحرب تلوح في منطقة الخليج العربي، من خلال التصريحات المتبادلة بين الفريقين المتصارعين. فقد لوحت طهران بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، في حال حرمانها من تصدير النفط. وفي المقابل، أبحرت قطع بحرية أمريكية، إلى مياه الخليج العربي؛ لمنع إيران من اتخاذ أي خطوة من شأنها تهديد تدفق النفط عبر مياه الخليج العربي، للأسواق الدولية.

وأيّاً تكن جدية التهديدات المتبادلة، من عدمها، بين الطرفين، فإن المؤكد أنها خلقت حالة من القلق في عموم المنطقة، أثرت سلباً بشكل مباشر، في الأسواق المالية الخليجية.

رغم الصخب والضجيج، والتهديدات المتبادلة، بحرب ضروس في المنطقة، نجادل في هذا الحديث، ضد احتمالات وقوع حرب رئيسية، تخوضها واشنطن ضد طهران؛ ليس لأن هذه الحرب، ستخاض في منطقة تعتبر الأهم من حيث اختزانها مصادرَ الطاقة فقط، ولكن لأن شن هذه الحرب، سيشكل خطراً على مصالح الولايات المتحدة ذاتها، وسيتسبب في اختلال التوازن الدولي، لصالح روسيا الاتحادية، غريمة أمريكا العسكرية. وسيهدد بشكل جدّي سلامة المنطقة العازلة بين الدب القطبي والمياه الدافئة بالخليج العربي.

لقد كانت إيران منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، حجر رحى، في الاستراتيجية الأمريكية العسكرية، وشكلت مع باكستان وتركيا والعراق، منذ مطالع الخمسينات من القرن المنصرم، ومع بداية الحرب الباردة، هلالاً يطوق «إمبراطورية الشر السوفييتية»، حسب تعبير الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان.

وفي نهاية الخمسينات من القرن الماضي، تم تشكيل حلف عسكري، ضم هذه الدول برعاية بريطانيّة وأمريكيّة، عرف بحلف بغداد، من أجل تحقيق هدفين رئيسيين: الأول، هو مواجهة التوسع العسكري والعقائدي السوفييتي، والثاني، الوقوف في وجه تيار القومية العربية، الصاعد آنذاك.

وحتى عندما أسقط النظام الملكي في العراق، وأعلنت الجمهورية، لم ينتهِ دور حلف بغداد رغم انهيار أحد أركانه، بل تحول إلى حلف المعاهدة المركزية «السنتو»، محتفظاً ببقية أعضائه، باستثناء العراق، الذي رفض نظامه الجمهوري الأحلاف العسكرية، وأنهى الوجود العسكري البريطاني في قاعدتي الشعيبة والحبانية. واقترب في صداقاته وسياساته الخارجية من الاتحاد السوفييتي.

إيران أيضاً هي نقطة الوصل في طريق الحرير، الذي يربط إفريقيا وغرب آسيا بالهند والصين، ودول النمور الآسيوية. وتشكل طرقها شرياناً مهمّاً للاقتصاد العالمي، من الصعوبة العبث به.

يضاف إلى ذلك كله، أن الأزمة الراهنة تأتي في ظل تغير واضح في المناخ، والتوازنات الدولية، في غير صالح الولايات المتحدة، يجسد ذلك الحضور القوي العسكري والسياسي، لإدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والصعود الكاسح للاقتصاد الصيني.

لقد تدخل الروس، بقوة وفاعلية في الأزمة السورية، وكسروا معظم الخطوط الحمر، التي وضعتها إدارة الرئيس ترامب. بل إنهم تدخلوا في الأيام الأخيرة، وبقوة أيضاً في الأزمة الفنزويلية، حيث الحدائق الخلفية للولايات المتحدة، وحالوا دون سقوط الرئيس مادورو. وبإمكان المرء بسهولة، أن يتصور، ما سوف يكون عليه الحال، لو كان التهديد الأمريكي حقيقياً لطهران.

فبوتين، الذي ضم بقوة أرض القرم لبلاده، والذي جاء بجيوشه إلى سوريا، ولم يتردد في إرسال قوة روسية عبر المحيط، لينقذ الزعيم الفنزويلي، لن يتردد لحظة في تقديم مختلف أشكال الدعم العسكري، لحلفائه في طهران. ولن يكون مستبعداً أن يرسل بعضاً من قواته للدفاع عن النظام الإيراني.

علاوة على ذلك، فإن تجارب السنوات الثلاث المنصرمة من إدارة الرئيس ترامب، أكدت للقاصي والداني، أنه لا يمكن أخذ تهديداته العسكرية، على محمل الجد؛ فقد تهدد وتوعد في سوريا، وفي أفغانستان، وكوريا الشمالية، وتبخرت تهديداته. وانتقل في لحظة من حال العداء والصراع مع الزعيم الكوري الشمالي، إلى حال الصداقة، من غير مقابل. وما زالت أزمة الأسلحة النووية الكورية الشمالية تراوح مكانها.

يدرك حكام طهران هذه الحقائق، ويتعاملون وفقها، ولا يأخذون تهديدات الرئيس ترامب مأخذ الجدية. وإذا ما تغير واقع الحال، وباتت التهديدات الأمريكية حقيقية وماثلة للعيان، فإن حكام طهران عرفوا تاريخياً بتبني سياسات براجماتية، تتصف بالمناورة والمراوغة. يجسد ذلك أن حديثهم المستمر، عن الشيطان الأكبر، لم يحُلْ دون التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، في حربها ضد أفغانستان. وقد تكرر ذلك مرة أخرى، أثناء الاحتلال الأمريكي في العراق، حيث ساندت طهران عملياً هذا الاحتلال، رغم إدانتها اللفظية له. ولم يكن للاحتلال أن ينجح بسهولة، في ملء الفراغ السياسي، الذي نشأ إثر تدمير الدولة العراقية، لولا تعاون عملاء إيران داخل العراق، مع إدارة الاحتلال الأمريكي. وكانوا عماد التشكيل السياسي للدولة العراقية، فيما بعد الاحتلال.

بل إن فضيحة «إيران جيت» قد كشفت بجلاء عن استيراد إيران للسلاح من «إسرائيل»، وقد حدث ذلك في العهد الثوري الذي قاده الإمام الخميني. فكيف ستجري الأمور الآن بعد أربعة عقود على الثورة الإسلامية، بعد أن ترصنت وترسخت علاقات إيران الدولية. الأمر البديهي، أن إيران باتت أكثر براجماتية، وقدرة على التعامل مع الأزمات الدولية.

لن يكون مستبعداً، أن تحدث مناوشات عسكرية محدودة بين القوى البحرية المتواجدة في مياه الخليج، وربما يشن السلاح الجوي الأمريكي ضربات لمواقع إيرانية محدودة، لكن ذلك لن يصل في كل الأحوال، لمستوى الحرب الباردة، وليس علينا سوى الانتظار.