آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

شهر العافية: 7 - حافظ على صحتك

محمد حسين آل هويدي *

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم -... «90» لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «91»... - صدق الله العظيم - التوبة.

الله سبحانه يعفي المرضى في كثير من الأمور؛ الصيام، الجهاد، وغير ذلك. المرض أمره كريه؛ على المريض ومن حوله. المرض قدر، ولكن أكثر المرض يمكن الوقاية منه، وإذا وقع المرض لا يمكن الرجوع بالزمن لوقايته، وعلى المرء معالجته. يُعْزَى سبب الكثير من الأمراض العصرية «مثل سكري الكبار» إلى نمط الحياة ونوعية الغذاء. يمكن للمريض أن يزور الطبيب ويأخذ العلاج اللازم لمكافحة أعراض المرض، ولا يوجد أكسير أو دواء ناجع لحل المسألة من مرة واحدة فقط. ولكن، هناك أمل في العلاج وتغيير الأمر من خلال الحمية والرياضة وتخفيف الإجهاد وزيادة العلاقات العامة. هذه الحلول الأربعة التي تضافر بعضها تأتي للمرء على طبق من ذهب في شهر رمضان المبارك، ومنها عليه استغلالها.

هناك اتفاق طبي وعلمي يتنامى يدعم أن لتغيير نمط الحياة نحو الأفضل قدرة على عكس المرض والتخلص منه. الدليل على فاعلية هذا النوع من العلاج موجود في المجلة الطبية الأمريكية «Journal of the American Medical Association». الأبحاث قامت على نتائج إيجابية تمت تجربتها على الآلاف من الناس من مختلف الأعراق والطبقات. تغيير نمط الحياة قد يوقف أو يبطئ أو حتى يعكس المرض وينقلب إلى صحة من خلال اتباع نمط صحي من النواحي الأربع المذكورة في المقدمة. التجارب لم تقع فقط على المصابين بمرض السكري، ولكن أيضا أصحاب الضغط العالي والأوزان المهولة وبدايات السرطان الحميد للبروستاتا والإحباط والقلق والمناعة الطبيعية وحتى بدايات الخرف. هذه البرامج تم تطبيقها في الكثير من المستشفيات الأمريكية لدرجة أن شركات التأمين الصحي تدفع تكاليف العلاج لأنه أقل بكثير من علاج الأمراض ذواتها. هذه الأفكار ليست جديدة، والكثير من الأنبياء والأوصياء والحكماء أوصوا بمثل هذه الأمور. الاعتدال في الأكل مطلوب. السباحة من أفضل الرياضات. ركوب الخيل رياضة تساعد على التوازن وصفاء الذهن والتواصل مع المطية.

على التغيير أن يأتي بالتدريج، لا بصورة مفاجئة. التدرج ينفع. الفجأة تضر وقد تكون عواقبها وخيمة. هذا ما أظنه ويظنه الكثير من الناس. ولكن للطبيب دين أورنِشْ وزوجته آن رأي آخر في كتابهما ”التراجع“ «مذكور في الهامش». يقولان إن التغيير الراديكالي «المتطرف» في القضايا الأربع مرة واحدة أنجع. ويعزون السبب في أن المرء لو امتنع مبدئيا عن بعض الحلويات فأنه سيجاهد نفسه في شيء يحبه، كما أنه لن يلحظ التغيير على نفسه وجسمه وصحته في غضون أيام معدودات، ومن ثم يعود معتقدا أن الحمية لا تفيده. وهذا سيثبط الهمة والعزيمة.

المريض قد يقبل بالتغيير المفاجئ أثناء شيء صادم، مثل نوبة قلبية. ولكنه يتبع التغيير لمدة شهر ثم تعود حليمة إلى عادتها القديمة. الخوف محفز ضعيف ولحظي وينقضي مع انتهاء الظرف. النوبة القلبية فعلا مخيفة لأنها قد تؤدي إلى الموت إذا لم تُعالج في حينها، ولكن حتى الخوف من الموت ينقضي ولن يطول؛ وهذه نعمة من الله لأنه لو فكر المرء في الموت طيلة حياته لما عاش.

الزوجان أورنش ينصحان بمحفز أفضل؛ الشعور بالرضا. إذا تحسنت حياتك، أنت ليس بحاجة لتحفيز نفسك من خلال الخوف. وكلما شعرت أفضل، حفزتك نفسك على الاستمرارية والمتابعة والإصرار. هذا لماذا التغيير الفجائي أفضل من المتدرج. عندما تغير من نمط حياتك فجأة ستلحظ التغييرات على جسدك ونفسيتك. رمضان مثلا يجبرك على التغيير المفاجئ بتغيير عادات الطعام والأمور الخاصة؛ بدون مقدمات. بالأمس لا تكون صائما. اليوم عليك الصيام كاملا وتغيير نهجك في الغذاء والغرائز، بل وحتى في التفكير. رمضان يحثك على التواصل الجمعي لأن الناس تأنس الطقوس الجماعية أكثر من الفردية. بعد أسبوع من الصيام، ستلحظ التغيير لا محالة. ستجد نفسك تكره الغيبة وتحب الجمعة وستجد معدتك ترتاح، وستجد حتى نظام دخولك للخلاء قد تغير وأصبح أقل جهدا وأقصر مدة. المصاب بحساسية من غذاء ماء، سيجد نفسه فجأة بلا أعراض. وهلم جرا.

نمط الحياة العصرية أكثرها وبالا على الصحة النفسية والجسدية، وسنقوم بنقاش هذا الموضوع في مقال لاحق. طيب الله أنفساكم وتقبل صيامكم وجمعكم مع من تحبون؛ في الدنيا والآخرة، ولا تنسونا من الدعاء.

1. Dean and Anne Ornish «2019». Undo It!: How Simple Lifestyle Changes Can Reverse Most Chronic Diseases. Ballantine Books. https://www.goodreads.com/book/show/40130282-undo-it
سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل