آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

شهر ضيافة الله «13»

محمد أحمد التاروتي *

الرفق سلوك مرتبط بسمو الاخلاق، باعتباره وسيلة لحفظ كرامة الطرف الاخر، فالمعاملة السيئة والخشنة تكشف عن سوء الخلق من جانب، وتقضي على حبائل المودة والمحبة من جانب اخر، الامر الذي ينعكس على طبيعة العلاقة القائمة، حيث تسيطر على الكراهية والنفور على المحبة والوئام، مما يؤسس لعلاقات متوترة او فاترة في احسن الاحوال، وبالتالي فان اختيار طريقة التعامل تشكل مدخلا لتوطيد العلاقات الاجتماعية، لاسيما وان مجموعة القيم تحرك المرء لاختيار اُسلوب التعاطي مع الاخر، فاذا كانت السريرة شريرة فانها تعمد لاستخدام اساليب العنف والاذلال، فيما ستكون الطريقة لينة ولطيفة مع صفاء النفس وسموها، ”إن الرفق لم يوضع على شئ إلا زانه، ولا نزع من شئ إلا شانه“.

التعامل ينطلق في الغالب من النظرة للطرف الاخر، فالمرء الذي يتعامل بنزعة فوقية ونظرة متعالية للاخر، فانه يحاول اظهار هذه الثقافية عبر استخدام العنف والاذلال والكثير من الاحتقار، من اجل تكريس مبدأ الفوقية في البيئة الاجتماعية الضيقة كمرحلة أولى، والبيئة الاجتماعية الواسعة في المرحلة اللاحقة، وبالتالي فان الامراض النفسية احدى المحركات لممارسة الاذلال تجاه الاطراف الضعيفة، فالبعض يحاول اظهار القوة والقسوة مع الاطراف، التي لا تمتلك سوى الاستسلام لارادة القوي، ”الرفق بالأتباع من كرم الطباع“.

فيما يسيطر الرفق على المعاملات اليومية، للمرء الذي يعيش حالة من الاستقرار الخلقي والنفسي، بحيث تظهر على شكل مواقف رحيمة، سواء مع الاطراف الضعيفة او القوية، فالعملية لا تختلف باختلاف موازين القوة الاجتماعية، نظرا لوجود قناعات ذاتية بضرورة التعاطي بأسلوب موحد مع مختلف الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان التعامل بنوع من الازدواجية مبدأ مرفوض، باعتباره تناقض اخلاقي وحالة من النفاق الاجتماعي، مما يولد نوع من الاحتقار الداخلي، الامر الذي يرفضه اصحاب المبادئ والقيم الاخلاقية، مما يؤسس لعلاقات اجتماعية سليمة، تعتمد مبدأ المساواة ورفض قانون الطبقية في شبكة العلاقات الاجتماعية، ”عليك بالرفق فإنه مفتاح الصواب وسجية اولي الألباب“.

الرفق عملية تفاعلية مع الطرف الاخر، فهي لا تقتصر على العطاء من جانب واحد، بقدر ما تتمثل في تبادل الأدوار، فالمسألة تقوم على الاخذ والعطاء، وبالتالي فان استخدام الرفق ينعكس على الاليات المستخدمة، في توطيد العلاقات الانسانية، فكما ان العنف يولد الكراهية والتنافر التام بين مختلف الاطراف، نتيجة ردود الافعال المتناقضة تجاه الممارسات الاخلاقية، فان الرفق يقرب القلوب ويحدث حالة من الانسجام الوجداني، يترجم على شكل علاقات انسانية متماسكة، الامر الذي ينعكس على شكل ممارسات مختلفة ”الرفق نصف المعيشة“، ”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى“.

شهر رمضان المبارك يعطي المسلم دروسا، في تبني الرفق في التعاطي مع الاخر، من خلال استخدام التسامح، والابتعاد عن الشحناء والبغضاء، مما يساعد على وضع المسار الاخلاقي في السكة السليمة، لاسيما وان الصيام يرمي للسمو الاخلاقي، وتربية النفس على امتصاص الصدمات العنفية على اختلافها، ”لو كان الرفق خلقا يرى ما كان مما خلق الله شئ أحسن منه“، "ومَن خفّف في هذا الشهر عما ملكتْ يمينه خفّف الله عليه حسابُه".

كاتب صحفي