آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

الإمام المجتبى يحذر من الاغترار بالدنيا

ورد عن الإمام الحسن المجتبى : إن‌ الدنيا لا يدوم‌ نعيمها، ولا يؤمن‌ فجيعها، ولا تتوقى‌ مساويها، غرور حائل‌ وسناد مائل‌» «تحف‌ العقول‌ ص‌ 239».

ليس هو برهبنة ورفض لحياة ملؤها تحقيق الذات ورسم الأهداف المستقلية والطموح بنيل أعلى الدرجات، ولكنه التحذير من آفة الاغترار بالدنيا ونسيان حقيقة مقدميتها لحياة الخلود الأخروي، فليحذر من آفاتها التي تصيب بصيرته بالعمى.

فهم حقيقة الدنيا الزائلة من عدمه هو الفارق بين أصحاب العقول النيرة وأهل الغفلة والسهو، فالمرء فيها كمسافر يقطن فندقا أو دارا مستأجرة ما يلبث أن يرحل عنها، ومن الوهم وقلة الفكر أن يعمر الإنسان ويجري تعديلات أساسية على مقر يسكنه لفترة ثم يغادره، وأما العاقل فهو في حذر منها إذ لا يراها أكثر من دار فانية وقنطرة يعبر منها نحو دار الخلود، فلم تعم أبصارهم بزينتها ومغرياتها وزخارفها بل أخذوا منها قدر الكفاف وتسربلوا بالعفاف، وصرفوا همتهم نحو إتيان الأعمال الصالحة والخيرات، وعمر أهل الدنيا القصور وتلحفوا بالمظاهر الفاخرة فما وعوا إلا وقد حلت مناياهم، وأما ارباب البصائر فقد كان تطلعهم وآمالهم متعلقة بعالم الآخرة ومبوأ الصدق فعاشوا الورع عن محارم الله تعالى وتحلوا بالمرتقى الأخلاقي.

ولو تفكر الإنسان بأدنى تأمل حتى يبصر الطريقة التي يسير عليها والأهداف التي يرسمها لانطلاقته نحو مستقبل مشرق لتوقف عند أولى الحقائق، وهي أن هذه الدنيا كما يبين الإمام المجتبى محض السراب وأضغاث الأحلام والخيال الموهم في دوامها والخلود فيها، فما هي إلا كبذرة تراها تترعرع كل يوم حتى تكبر وتثمر ثم تذبل وتصفر، فأي مستند عقلي يحتكم عليه في آماله المتطاولة من يؤمل الحظي بنعيمها الدائم وهي سرعان ما يصيبها الأفول والفناء!!

والأمر الآخر الذي ينبغي النظر فيه هو مدعى القوة والضمانات التي يتلقاها من احتضنها وبادلها العشق والهيام، فالإنسان محض الضعف في إرادته ونوال غاياته وتحصيل مساعيه، فمظاهر الثروة والسعة المالية قد يصيبها الزوال في أي لحظة بسبب حادث ما، كما أن تنعمه بشيء من مظاهرها مرهون بصحته الدائمة، بينما أضعف المخلوقات من جراثيم وفيروسات تقعده طريح الفراش، وتفقده الشهية لألذ الطعام ويعاف التمتع بأجمل أوقاته، فتغيب بسمته وتعلو محياه الكآبة والحزن مع مروره بأي أزمة أو مشكلة في حياته، فهل مثل هذه الدار الفانية تستحق كل هذا التقاتل والاحتراب على متاعها وهو يخرج منها خالي الوفاض لم يظفر إلا بكفن يستر عورته وبدنه؟!

وأي سعادة حقيقية يراها الإنسان في حياة امتزج حلوها مع مرها، بينما هو في لحظات يسر فيها قلبه ويهنأ عيشه وإذا بخبر مؤلم محزن يسلبه الفرح وراحة البال، فهذه الدنيا لا تصفو مشاربها لأحد بل الفجائع والأحداث الحزينة تقصم الظهر.

والاغترار بالدنيا وحب مظاهرها والتعلق بها لا يكسبه إلا المساويء، فيصيبه الغرور والتشدق بمظاهرها الخداعة والتفاخر به، وتطول آماله حتى يعثر به أجله، ولا يمكن لعشاق الدنيا أن ينعتقوا من أغلال شح النفس والبخل وفقدان الإحساس بآلام وحاجات الناس من حوله، وغيرها من الآفات التي تقسي قلبه وتبلد وجدانه ويخفت بريق فكره.

وهل يمكن لأحدنا أن يتقبل معاشرة ومصاحبة كذاب يمكر به ويخدعه، أم أنه سيسعى للحذر منه ومن أشكاله ويتوقى صداقتهم لأنه لا يأمن غوائلهم؟

والدنيا تدغدغ مشاعر الإنسان بزينتها ومتاعها فيحسب أنه له طول المعيشة والبقاء ولا يفيق من غفلته إلا بحلول أجله بغتة، فهل يوقظ بصيرته تبدل أحوال الدنيا وصروفها المتباينة وما يحفها من أكدار وهمموم وأحزان، ومن ثم تصفو نفسه نحو التكامل والسمو في مسير العمل الصالح؟!