آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

علي (ع) قيم متجسدة

حديث لا ليستوفي حق عظيم أنى أتيته تجده بحرا زاخرا من الفضائل والقيم والمعارف، ولكنها جلسة العاشقين لذاك الجمال المتجسد في منطقه ومواقفه التي ما حادت قيد أنملة عن الدين والحق الذي تمسك به، ولذا نتساءل طلبا للمعرفة والتطبيق العملي عن شخص أمير المؤمنين وكينونته، وأي صلة وتلازم كان بينه وبين الحق والفضيلة؟

لقد كان في قوله وموقفه تجسيدا للقيم الدينية والحق الذي جاءت به الرسالة المحمدية، هو الحق في منطق الحكمة الذي ملأ ما بين الخافقين بتلك العلوم والحكم والتوجيهات، والتي لا نستغني عنها كدروس تربوية وحياتية تفتح الأذهان لأسس ومعايير تنتظم من خلالها أعمالنا وسلوكياتنا.

وهو الحق والمصداقية التي جسد القيم الأخلاقية، فما دعا إلى خلق رفيع إلا وكان هو النور الأمثل له، وهذه التربية أثمرت في خلق شخصيات إيمانية من حوله، ومثلت أخلاقه منهجية يتأسى بها المؤمنون من جيل إلى جيل.

علي هو الحق الذي اختزل كل معاني وقيم وتعاليم الإسلام بأعلى مستوياتها، فلا تجد قدوة حسنة للمؤمنين من بعد رسول الله ﷺ يحتذون بهداه وحكمه ومواقفه، فلا تعريف واف لشخصيته غير أنه قيم الإسلام المتجسدة، فقد وهب نفسه وكل شيء عنده في سبيل رفعة راية الإسلام، وحينما أمره الرسول الأكرم ﷺ بالمبيت على فراشه ليلة هجرته إلى يثرب امتثل لذلك، مع معرفته بما يحوط هذه الخطوة من مخاطر وخيمة إذ لن تتردد قريش الحانقة أن تمد يد البطش له وإزهاق روحه، فكانت تضحيته وفداؤه عنوانا للسمو الروحي والتخلص من ربقة شح النفس تماما.

وأما سوح الوغى وميادين احتدام السيوف والرماح ومحطات الاختبار والتمييز بين الإقدام وما بين الجبن والخوف من الجراح أو القتل، فقد كانت أصابع الإنصاف والتتبع والبحث الدقيق كلها تشير إلى ذاك الفارس المغوار علي ، فهذه الوقائع التي فرضت وشنها كفار قريش واليهود المتربصون بالإسلام والرسول الأكرم ﷺ الدوائر أبرزت مشهدا للبطولة والاستبسال والشجاعة التي مثلها أمير المؤمنين ، حتى ارتبط اسمه بمواطن صد ووأد العدوان على الإسلام بغية إطفاء نور الله تعالى، إذ كان سيفه ذو الفقار مسلطا على رقاب المعتدين.

وكان علي آية الصبر وتحمل الظروف القاسية دونما أن تغير من صفاء قلبه وجمال فكره وحسن أخلاقه الرفيعة، فمع كل تلك الهجمات العدوانية والحرب النفسية التي واجهها لم تهد قيم السماء التي يحملها، وما صدته عن مهام التبليغ وإرشاد الناس وتعليمهم أحكام الإسلام ومضامين الآيات القرآنية، ولم تغفل عينه قط في خضم وأوج إشهار الحراب التي مدت عليه عن تفقد أحوال المحتاجين واليتامى وأبناء الشهداء، فما شعروا بافتقاد إطلالة محياه إلا لما خر شهيدا في محراب العبادة والخشية من الله تعالى.

وأين نحن من دروس الانعتاق من ربقة شح النفس وأغلال البخل وحب كنز الأموال والتباهي والتفاخر بمظاهر البذخ والرفاهية في سيرة أمير المؤمنين ، كيف وهو الذي شهد القرآن الكريم في سورة الإنسان بأن بيت علي هو بيت العطاء بأعلى درجاته وهو الإيثار بتقديم حاجة الغير على نفسه، وعاش حياة البساطة والزهد مواساة للفقراء فلم يعلق في فؤاده شيء من حب النعيم الزائل الذي يشغل عن ذكر الله تعالى، وهذا لا يعني ترك إعمار الدنيا وتسجيل وجود قوي طموح، فقد كان أمير المؤمنين رائدا وقائدا في ميدان العمل المكافح وعمارة الأرض وتحصيل لقمة العيش الحلال.

إن حياة أمير المؤمنين معطاءة في جميع جوانبها، فعلى مستوى العلاقة بالله تعالى رسم معالم النهج العبادي المتضمن معاني الخشية من الله تعالى والانقطاع إليه والورع عن محارمه، ففي أحلك الظروف وأصعبها كليلة الهرير لم يتحمل إلا أن يجدد حبل الوصل مع ربه فأحيا صلاة الليل بين الجيشين؛ ليعطي توجيها لنا بأن كل ما في الدنيا من حظوظ ومهما كان حجمه لا يساوي شيئا أمام الوقت الذي يمكثه في محراب العبادة والأنس بذكره المورث للطمأنينة والثقة بالتدبير الإلهي.