آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

هونها وتهون ”3“ ‎

ياسين آل خليل

هناك علاقة طردية بين الطريقة التي تفكر بها وتلك التي تشعر فيها، حيث أن تفكيرك يؤثر في حالتك العاطفية، والعكس صحيح أيضًا من جانب أن حالتك العاطفية تؤثر على طريقة تفكيرك هي الأخرى.

عندما ينتابك الحزن، على سبيل المثال، فإنك ترى العالم من خلال عدسة سوداء. لهذا السبب من البديهيات أو المُسَلّمات، أن تكون أكثر عرضة للتركيز على الأشياء السلبية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر امتعاضك من عدم حصولك على تلك الترقية في عملك، مع توفر كل المتطلبات الأساسية واللازمة لديك، أو أنك لم تكن محظوظًا في اختيار شريك حياتك، ومنها توجيه النقد القاسي واللوم لذاتك، وتبدأ تلقائيا بالتنبؤ بأن أمورك ستنتهي الى مصير سيئ لا محالة.

في المقلب الآخر، أفكارك تؤثر مباشرة على حالتك النفسية والعاطفية. فعندما تفكر في شيء كئيب، كافتقادك لشخص عزيز عليك، فإن مشاعرك تبدأ بالتفاعل، يتبعها ذلك الإحساس بالحزن والأسى على ذلك الفقد الكبير. كلما ركنت إلى الأشياء الحزينة، كلما ساءت حالتك المزاجية، وأدخلت نفسك في دورة يصعب كسرها أو الخروج منها. عقلك يعمل كما التلفاز الذي أمامك، لا تتوقع أن تختار قناة إخبارية، تجتر نفس الخبر على مدار اليوم، في الوقت الذي تتوق فيه لمشاهدة فلم أو مسلسل فكاهي على نفس القناة. عليك أن تبادر بتغيير القناة بدايةً قبل تهيئة نفسك لمشاهدة ذلك الفلم أو المسلسل. السر إذًا يكمن في تغيير القناة في عقلك، حتى تحصل على نتائج مختلفة بعيدًا عن المجترات من الأحاديث والأخبار المكررة.

هناك فرق شاسع بين أن تُدمن نفس الأحاديث وتجترها حينًا بعد حين، لا لشيئ غير الرغبة في إسماع الآخر الحديث ذاته، أو أن يكون لديك هدف من وراء التكرار وهو إيجاد حل لتلك المشكلة بعينها. مما لاشك فيه أن حل المشاكل يدفعك إلى الأمام، بينما اجترار الأحاديث الرتيبة، دون هدف، عادة سلبية وسبب رئيس في تعويق مسارك الحياتي.

أفضل طريقة لكسر عادة الإدمان التي تحدثت عنها للتو، هي القيام بعمل يتطلب طاقة عقلية جادة، ووقت كاف يصرف انتباه العقل من العودة إلى ما كان عليه من اجترار الأفكار نفسها، ودون هدف يذكر. هناك أشياء كثيرة يمكنك فعلها لصرف انتباه عقلك من الركون إلى ما اعتاد عليه، وذلك بتغيير قناتك العقلية، كما تفعل تمامًا بتلفازك. من تلك القنوات ربما مكالمة صديق لك تستأنس الحديث معه. مفتاح الحل هنا، هو في أن تعثر على شيء يتناسب واحتياجاتك وتوجهاتك، وما يجلب لك النفع والراحة النفسية. أقدم على تجربة بعض الاستراتيجيات المختلفة التي بجعبتك، كالإلتحاق بأنشطة العمل التطوعي مثلًا والتي تزخر بالعديد من الأعمال والفعاليات المتنوعة والإيجابية والتي من المؤكد أن تساعدك على تغيير قناتك العقلية.

ربما لا تَسرُك الطريقة التي يتصرف بها عقلك، من السلبية التي يتمسك بها، والتي لا يتبين أن لديه النية في التخلص منها في القريب العاجل. قبولك للواقع المر، بأن تلك الأفكار السلبية ستلازمك ولفترة غير محددة، يفتح لك باب التركيز على أجندتك من الأنشطة والفعاليات الأخرى التي تود القيام بها في الوقت الحالي. غض الطرف عن الأفكار السلبية التي لا جدوى منها، واشغل نفسك بما هو مفيد وإيجابي، إلى أن يحين الوقت الذي تتحول فيه تلك الفعاليات الجديدة الى عادات ملازمة لك، عندها ستكتشف أن تلك السلبيات أخذت في التلاشي شيئًا فشيئًا، وأنها أوشكت على الإختفاء الى غير رجعة. أخيرًا وليس آخرًا اعمل بنصيحة المثل الشعبي المُلْهم ”هونها وتهون“.