آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

شياطين - أقنعة وفلاتر

ليلى الزاهر *

ينتظر منك أن تُحني ظهرك قليلا كي يعتلي صَهْوتك، ويتكهّن بسقوطك ليحاصرك بمكائده منتهزًا فرصة ضعفك. يصور لك المعصية فيبهرك ضياء الزيف لتقع في أفخاخه.

بين أنوار الله تعالى الساطعة يظهر الشيطان بظلامه الدامس وجيوشه بترسانة ضخمة محاولا طمس تلك الأنوار إلّا أن تلك الظلمات تجهض محاولاتها المنشقّة عن الخير تحت كنف الإيمان بالله تعالى.

إنّ صورة الشيطان _المكتنزة بغضا على الإنسان _مخيفة جدا سواء أكانت الصورة المرئية كما تلاعبت بها ريشة فنان التصوير «البورتريه» أم الصورة الوصفيّة كما أَسْهَبَ الكتّاب في وصفها مجردة من صحبتها، أو مقترنة بمثيلها البشريّ المُفلْتر.

وفي كتاب «إبليس» للكاتب العقاد كشْف صريح للإنسان المصاحب للشيطان، وتصوير رائعٌ لفساد الطويّة المنبعث من فساد العقيدة وسوء الصلة بالله تعالى الذي يؤدي إلى انقطاعها ودمارها.

لقد أبدع العقاد في وصف الشيطان متنقلا عبر أزمنة مختلفة، مواكبا للحضارات الإنسانية المختلفة، واصفا له بإله الظلام الذي لاينفكّ ملاحقا النور في عراك لاينتهي

أما المفكر الروسي «فيودور دوستويفسكي» ما أن تشرّع في قراءة روايته «الشياطين» التي كتبت في سنة 1872حتى تبتلعك أمواج الاتجاهات الفكرية المتضاربة في الفكر الروسي وتقف مشدوها من إدارة الشيطان لفرقة الضالين.

وإذا حلّقت في شفافية الدعاء المتصل بالسموات السبع ستظهر لك كلمات الإمام علي بن الحسين عليهما السلام في وصف للشيطان امتزج بالدقة مصوّرا تربّصه وخطواته الكيديّة للإنسان حيث يقول: «وَجَعَلْتَ لَنَا عَدُوّاً يَكِيدُنَا، سَلَّطْتَهُ مِنَّا عَلَى مَا لَمْ تُسَلِّطْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ، أَسْكَنْتَهُ صُدُورَنَا، وَأَجْرَيْتَهُ مَجَارِيَ دِمَائِنَا، لاَ يَغْفُلُ إنْ غَفَلْنَا، وَلاَ يَنْسَى إنْ نَسِينَا، يُؤْمِنُنَا عِقَابَكَ، وَيَخَوِّفُنَا بِغَيْرِكَ، إنْ هَمَمْنَا بِفَاحِشَة شَجَّعَنَا عَلَيْهَا، وَإنْ هَمَمْنَا بِعَمَل صَالِح ثَبَّطَنَا عَنْهُ، يَتَعَرَّضُ لَنَا بِالشَّهَوَاتِ، وَيَنْصِبُ لَنَا بِالشَّبُهَاتِ»

إنّ المتبصّر في الأحداث الإنسانية يرى الشيطان وصحبه كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يضعون مبرراتهم الشيطانية ويُقْصون أنفسهم من دائرة الاتهام.

وكيفما يحلو لهم التبرير يبنون الأساطير متاخمة لتحليلاتهم وأكاذيبهم. قد أصبحوا قرناء للشيطان ﴿وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا.

يرمي الشيطان الإنسان بقوة طاغوتية تجعله يجاهر بالمعصية حتى في نهار شهر رمضان وأمام ملكوت الرحمن وتحت سماء الله وأمام بحره يرتشف زلال الماء بمرأى من الناس وكأنه يصارع جبروت الله تعالى فأنّى له الفوز والغلبة؟!

وقد نراه مبتدئًا الناس بالعداوة دون سبب فقد تحمّل ثقل المتناقضات في حياته، ومرّ بمواقف شكّلت لديه ترسّبات نفسية أحالته إلى السكن ﴿بوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ.

هذا الإنسان الشيطاني لاينظر لحياته بعين الرضا أبدا وفي داخل أعماقه لوثة جاحدٍ لنعم الله تعالى، وعينه ساخطة ترى جميع المساوئ ولا تستوعب إيجابية ولا محاسن ظاهرة، ليس لديه قدرة باصرة ترصد نعم الله تعالى مصداقا لقول الإمام الشافعي:

وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ *** عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا

لقد تبعثرت صوره المريبة هنا وهناك. إنها تشهد تطورات سريعة في الشر المطلق، منبعها المشاعر الهدّامة كالحقد على الآخرين لتميزهم، أو لافتقاره مايسدّ نهمه لامتلاك كل شيء. ويتنامى أثر هذه الاستعدادات اللاشعورية لتظهر بصورة مواكبة للعصر فنراه يُنشئ حسابات بأسماء مستعارة في قنوات التواصل الاجتماعي يقذف هذا وينتقد هذا ليشفي غليله من نفسه.

ومن جهة أخرى يظهر بقناع شديد البياض مستعطفا تارة ومستنكراً تارة أخرى فغدت حياته مليئة بفلاتر متعددة.

إنها صور شيطانية ارتدت أقنعة إنسانية لا مفرّ من مواجهتها يوما ما لأنها سوف تظهر في طريقك بلا شك.

ويظل الشيطان قوة يسحقها المؤمن بسجدة لله تعالى ليزيد في حنقه عليه الذي تأسس منذ عهود غابرة.

وكيف يستطيع الشيطان أن يسكن لحظة واحدة دون أن يطرق أبواب الإنسان في كل يوم، مزيّنا له السيء من القول والعمل، ومطوّقه بأشرس المعارك، ملاحقا له حتى يهجع إلى فراشه؟! وخير سلاح لمواجهة الشيطان التسلح بالدعاء والاستعانة بالله تعالى فهو خير معين. «اللَّهُمَّ فَاقْهَرْ سُلْطَانَهُ عَنَّا بِسُلْطَانِكَ حَتَّى تَحْبِسَهُ عَنَّا بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ لَكَ، فَنُصْبحَ مِنْ كَيْدِهِ فِي الْمَعْصُومِينَ بِكَ»

نعوذ بالله تعالى من الشيطان وزمرته ولنجعله عدوّا نسير في خطوط متوازية لطرقه فلا نلتقي به أبدا. قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ.