آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

شهر ضيافة الله «27»

محمد أحمد التاروتي *

التكاملية عملية مرتبطة بانتشار ثقافة التعاون، والتحرك المشترك باتجاه أهداف محددة، فالنزعة الاحادية تولد الفشل، وصعوبة الوصول الى النجاح، نظرا لغياب الروح الجماعية وضياع الجهود، مما يستدعي ايجاد برامج قادرة على الاستقطاب، وتقدير العمل مهما كان صغير، فالعملية ليست بمقدار العمل بقدر ما تكمن في وجود ثقافة التعاون بالوسط الاجتماعي، لاسيما وان ثقافة التعاون تساعد في احداث تغييرات جذرية، في مرتكزات التفكير الفردي بالدرجة الاولى، مما ينعكس على التفكير الجمعي بالبيئة الاجتماعية.

عملية التكامل في البرامج الاجتماعية، مرهونة بالاستعداد النفسي والمادي، من اجل الانخراط في تلك البرامج، فالعزوف وعدم القناعة يولد حالة من الاحباط، وكذلك يقود الى الفشل الذريع، الامر الذي يتطلب وضع البرامج التأهيلية لتكريس الثقافة التعاونية، وطرد النزعة الفردية، من خلال نشر العمل الجماعي، باعتباره الخيار الاستراتيجي للنهوض، ورفد المسيرة الاجتماعية بالطاقة للانطلاق بقوة، ”وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى? ? وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ“، ”قوم تعاونوا ما ذلوا“.

ايجاد القنوات القادرة على بث ثقافة التعاون عملية ضرورية، لاسيما وان التحرك العشوائي لا يخدم المساعي التكاملية في البناء الاجتناعي، مما يستدعي العمل على وضع الرؤية المستقبلية، فالتخطيط البعيد المدى يدفع باتجاه توفير الظروف المناسبة، لاحداث تحولات حقيقية في العملية التكاملية، لاسيما وان الاهداف الاستراتيجية تتطلب الكثير من الجهد، والمزيد من الافكار لترجمة التطلعات والطموحات، على ارض الواقع، وبالتالي فان الحديث عن التكاملية لا يجدي نفعا بدون برامج عملية، قادرة على تحريك المشاعر باتجاه التجسيد العملي، في البناء الفكري الاجتماعي.

العمل التراكمي احد ملامح الثقافة التعاونية بالمجتمع، فالأعمال الصغيرة تحدث فرقا كبيرا في المستقبل، لذا فان التراخي او التوقف عن المساهمة في عملية البناء التكاملي، يمثل ظاهرة سلبية وغير صحية على المدى المتوسط والبعيدة، خصوصا وان المساهمة الجماعية تعكس الايمان الكامل بمبدأ التعاون لدى الجميع، بينما خروج البعض عن المسار الجمعي يعطي دلالات واضحة، على رفض الثقافة التعاونية لدى بعض الشرائح الاجتماعية، مما يستدعي اعادة بلورة البرامج للوقوف على مكامن الخطأ، والتعرف على نقاط الضعف، من اجل الانطلاق مجددا، وتسخير جميع الطاقات، باتجاه العملية التكاملية في المسيرة المجتمعية.

التعثر في الطريق عملية طبيعية، ولا تشكل خطورة كبرى، على التكاملية الاجتماعية، لاسيما وان المجتمعات البشرية تمتلك القدرة على النهوض مرة تلو الاخرى، خصوصا وان التجارب تمثل محطات اساسية للعبور الى شاطئ النجاح، بيد ان الخطورة تكمن في الاستسلام لثقافة الفشل، والتوقف في بداية الطريق او منتصفه، وبالتالي فان العبرة في الاستفادة من المحطات الفاشلة، لرفد العملية التكاملية، فالمجتمع معرض للانتكاسات على الدوام، مما يستدعي تسخير التعثر للتحرك الجاد، لصياغة برامج قوية في البناء التكاملي.

شهر رمضان المبارك احدى المحطات العملية، في تشييد البناء التكاملي الاجتماعي، خصوصا وان التحسس بمعاناة وجوع الفقراء، يدفع باتجاه التحرك لصياغة برامج، قادرة على تقوية الوشائج الاجتماعية، مما يولد احساسا ايجابيا لدى الفئات الاجتماعية، بتنامي الثقافة التعاونية لدى غالبية أفراد المجتمع، ”أيها الناس مَن فطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه“.

قيل يا رسول الله ﷺ وليس كلنا يقدر على ذلك؟ فقال: اتقوا النار ولو بشقّ تمره، اتقوا النار ولو بشربة ماء، فإن الله تعالى يهب ذلك الأجر لمن عَمِل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه.

كاتب صحفي