آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

الحصن الحصين

أيَّ حياة نحيا، عظماء أم لا شيء يحملُ كلٌّ منا شيئاً بذرةَ إنسان يتمنى أن يعيشَ في كوخٍ صغير، تملؤه السعادةُ، ويزرع فيه الوردَ والزهور يداعبها كلَّ صباحٍ ومساء، يحن لها متى ما غاب وتذبل من شوقها إليه. في الكوخ تجتمع كلُّ ?مالنا و?لامنا وإنجازاتنا كبرت أم صغرت. هل تعرف أحداً لا يحمل هذه الأماني الصغيرة؟ كل هذا ممكن لو بقي كلُّ الإنسانِ لا يحمل في قلبه سوى عشقَ الناس والله في هذه الجنة الصغيرة ينظر إلى جنةٍ أكبرَ وأوسعَ، تدوم بدوام الزمن.

أناسٌ نمشي فوقَ أزقة الحياة، ويساعدنا مجالُ الرؤية في نبوءةِ الأخطار وإخبارنا عنها قبل وقوعها، ومن ثم رؤيتها وتصنيفها والدفاع عن عن أنفسنا بما تقتضيه حاجاتُ دفع الضرر. نسير في الطريق ونرى عربةً قادمةً من أمامنا فنجري مسرعينَ في الإبتعادِ عن مسارها وإلا أنهت حياتنا، في الغابةِ بعضُ الحيواناتِ تخبرنا عن رغبتها في أن نتركها بسلام، وبعضها يجري خوفاً من أن تطأهُ أقدامنا أو يصيبه رصاصُ بنادقنا.

لكن ماذا عن الإنسان من جنسنا الذي يستطيع أن يخفي كلَّ نوايا الضرر، واللكمات التي يود أن يسددها لنا في حلباتِ الحياة وينهي كل آمالنا في السلامة؟ هي أضرارٌ ومخاوف لا يمكن أن تكونَ في مجال رؤيتنا، وبالأخص عندما نغوص في أعماق قلوبنا ولا نجد فيها إلا الودَّ والسلامة لمن يُعمل فكرهُ في كيف يؤذينا! من يحمينا من كل ما يزرعه القدرُ ”غير المحتوم“ تحت أقدامنا من ألغامٍ تتفجرُ إن داستها أقدامنا؟ ليس فقط الأفراد، ولكن المجتمعات التي يعتمل في صدورها حبُّ الأذى لمن تفترض أنه يتقاطع معها في رؤى الحياةِ وترغب أن تتحول تلك الفرضيةُ إلى واقعٍ عملي، دون علم المجتمع الآخر بتلك الرغبة.

إن بعض المخاطر التي قد لا يراها الإنسان في مجال الرؤية أو في المر?ة قد تكون بقدر ما أرادت أن تقضي على حياته إذ بها تجعله أقوى وتحيلهُ من مجهولٍ لشخصٍ يذكرهُ أعداؤه وأصدقاؤه طويلاً بعد غيابه. في كل الأحوالِ تبقى القوةُ الناظمة لكل الكون التي لا ترضى للبشر أن يحرفوا نظامَ الكون عن مستقرهِ ومساره وهي ”الله“، التي يستدعيها الضعفاءُ لنجدتهم حين يحز القيد في المعاصم، هي القدرة التي تقول لهم: أنتم طلبتم النصرَ والحمايةَ من مخاطرَ لم تعلموها ولا تستطيعونَ دفعها فدعوها لي، أنتم من يحمل السيفَ وأنا من يقطع. تلك القوة تبعث في نفوسِ البشرِ الراحةَ أن درعاً حصيناً يحميهم عندما لا يستطيعون حماية أنفسهم.

في محاور الحياة نقطة الصفر هي لا حب ولا كره، لا خير ولا شر، لكن ذلكَ لن يتأتى وعلينا أن ننحازَ لجهةٍ دون أخرى. فإن كان علينا الإبتعاد عن نقطة الصفر نحو السالب فلا نسرف في الكره حتى لا نتعرضَ لغضب تلك القوةِ الناظمة "الله"، وتنتقم منا...

مستشار أعلى هندسة بترول