آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

مسلم سفير الإمام الحسين عليهما السلام

عبد الرزاق الكوي

قال رسول الله صلّ الله عليه وآله في مسلم رضوان الله عليه:

«تدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلي عليه الملائكة المقربون».

يصادف الخامس من شهر شوال وصول الشهيد البطل مسلم بن عقيل أرض الكوفة قادما من المدينة المنورة ناقلا رسالة خير وسلام ورفع راية الحق، ناقلا رسالة ابي عبدالله الحسين ، إلى أهل الكوفة بعد مراسلات كثيرة منهم تطلب منه القدوم وتسلم قيادة خلافة آلامه.

اختار الامام مسلم رضوان الله عليه لاعتبارات كثيرة لما يتمتع به رضوان الله عليه من مزايا، فهو سليل العائلة الكريمة جده ابو طالب شيخ البطحة وسيد قريش وشجاع القوم ذو المكارم حامي رسول الله صلى الله عليه واله، ووالده عقيل نساب العرب صاحب الشخصية العظيمة فخر بني هاشم ابناءه قدمهم شهداء في سبيل الحق، وعمه أمير المؤمني الذي تولى تربيته مع الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة، تزوج رضوان الله عليه ابنت عمه بنت أمير المؤمنين، اكتسب من هذا الجو الطاهر والرسالي نمودج مشرف وضح من صفاته معاني الوفاء والشجاعة ومكارم الأخلاق، وطهارة النفس، كان رضوان الله عليه من ذوي الرأي والعلم تحمل مسؤوليات عظيمة في حياته فنهض بها بكل جدارة وشجاعة، أشترك مع عمه أمير المؤمنين في حرب صفين، وكان أحد القادة جعله عمه ، على فيلق من الجيش التي ضمت كبار القادة من ال البيت مثل الإمامين الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر زوج العقيلة زينب وغيرهم من القادة. فقد كان من المقربين من عمه الامام حيث أولاه من علمه وحكمته دون غيره من الناس لمعرفته بشخصية هذا البطل، حيث زاحم رضوان الله عليه أقرانه والصحابة والتابعين في وقوفه عند باب مدينة العلم والقائد الشجاع عمه فتشرب منه الإصرار على الحق والدفاع عنه بشجاعة تفدى لها الأنفس، ارتوى من اخلاقه وصفاته وطيب المزايا الحميدة، ولهذا تربع قمة الفضائل في مسيرته المجيدة وحياته الكريمة ومواقفه الشجاعة سفيرا للحق ومحاربة الظلم والدفاع عن بقاء الاسلام، أهلته ليكون ممثلا للأمام الحسين في احلك الظروف وأصعب الأوقات وأخطر الأماكن وما تتعرض له القيم من تزييف ومنعطفات خطيرة تتعرض لها الأمة والمجتمع من قبل أعداء الدين.

مسلم رضوان الله عليه من بيت تربى ان لا حياة مع الظالمين والفاسدين وابناء الطلقاء، تربى ان الحياة أنبل مع مبادئ الرسول صلى الله عليه واله، وأسمى مع ماتعمله من عمه امير المؤمنين، وأكرم مع ما تعلمه من الأوقات التي قضاها مع الإمامين الحسن والحسين سيدي شباب اهل الجنة، كانت مسيرة حياته وهذا ديدن ال البيت ، من اجل الاسلام وخدمة الدين ومحاربة الظلم ونشر العدالة في ربوع المجتمع بعد ما تعرض لخطر الفناء على يد أعداءه. كان عطاءهم المبارك والمشرف من اجل اعلاء كلمة الله، ولهذا تضحيته تبقى ماثلة على مر العصور تلامس عنان المجد وهذه هي الشجاعة والمروؤة في اجل معانيها.

لم يختر الامام الحسين وهو المعصوم، مسلم رضوان الله عليه اعتباط او من اجل قربه منه، بل لانه يملك شخصية القائد المحنك والحكيم والشجاع، فقد كان ثقة أمير المؤمنين واليوم يكمل مسيرته المظفرة سفيرا للحسين في بلد فيه جميع التناقضات المتقلب الهوى والمشاعر والمزاح والولاءات.

ارسله ليلقي عليهم الحجة، بعد جاءت رسائلهم في الإسراع بالقدوم للكوفة. ارسله الامام ممثلا ومحل النفس حامل رسالة الحق من امام مفترض الطاعة وامتداد لرسول الله صلى الله عليه واله.

توجه رضوان الله عليه بكل ثقة واقدام الى الكوفة وهو الذي يعرفها أتم المعرفة في زمن خلافة صوت الحق والقران الناطق خليفة رسول الله أمير المؤمنين وما وما واجهه الامام من فتن وتقلب وخذلان وحروب وتغير ولاءات، ومن بعده الامام الحسن سبط الرسول والخليفة من بعد والده ، توجه كواجب مقدس ومشروع شهادة ليلقي الحجة وهو في حال ثبات واطمئنان ورباطة جأش. زينه الامام بشرف الولاية والمرتبة العظيمة، شرفه بالأخوة له، والثقة به، حيث قال الامام : «لقد أرسلت إليكن أخي وأبن عمي وثقتي من أهل بيتي».

شرفه سيد شباب اهل الجنة بالأخوة له وهذه منزلة عظيمة وتشريف الى مسلم رضوان الله عليه، يكسب اجره وثوابه عند لقاءه الرسول صلى الله عليه واله،

وصل رضوان الله عليه الكوفة بعد عناء المسير في الخامس من شهر شوال علم 60 هـ جري فنزل دار المختار الثقافي، فبدأ بالقيام بالواجب المقدس وتأدية الرسالة من قبل أمامه ، فدعى الناس فأقبلت الناس تختلف إليه، فبايعه رضوان الله عليه ثمان عشر ألف، احتشدت الجماهير من الكوفة وأطرافها على شكل زرافات، وقرأ عليه كتاب الامام الحسين .

استشعر بني أميه انكشاف امرهم وزيف وجودهم وخطر زوالهم، مع وجود مسلم وهم يعرفون مكانة مسلم ومدى تأثيره بما يملك من شخصية وشجاعة عمه أمير المؤمنين وأنه لا تأخذه في الحق لومة لائم تقدم فيه الأرواح فداء. فبعد توالي الرسائل من اتباع الظالمين في الكوفة الى الشام بخطر وجود مسلم رضوان الله عليه على بقاء حكمهم وسيطرتهم على مكان حساس ومهم مثل الكوفة، حفز بني أميه الى استنفار قواتهم ومستشاريهم المشهورين بعدائهم للدين الإسلامي، فأشاروا بتولية اللعن خلق الله في زمانه عبيد الله بن زياد، ومعروف ابوه زياد بن ابيه، فماذا يكون هذا النتاج الا عداء لآل البيت ، فقد كان لعنه الله واليا على البصرة الذي لاقت من وجوده الويلات لحبهم وولائهم الى ال البيت ، ضمت له الكوفة مع البصرة ليحارب ويقتل من له ولاء الى الرسول صلى الله عليه واله وعثراته المدافعين عن بقاء الاسلام .

نهض بن زياد بالأمر وهو المجرم المتمرس ولا يحتاج ان يعطى صلاحية دام المحارب هم ال البيت واتباعهم، فاستعمل اقسى انواع الشدة والقسوة والبطش وسفك الدماء فهو وأبيه يملك تاريخ حافل، فكان يضرب عنق كل من لم يدخل في طاعة بني أميه، ليس فقط حب وولاء لبني أميه، بل كرها الى الامام علي فخر الانسانية ومجدل الكافرين والداد عن الدين الحنيف ولهذا قال الرسول صلى الله عليه واله في فضل الامام علي لا يحبك الا مؤمن ولا يكرهك الا منافق او ابن زنا.

فبادر ابن زياد بالفتنة والرشوة والشقاق والقسوة والتنكيل في مجتمع الكوفة وبادر الى تقصي رجال وقيادات اتباع ال البيت ومن يشكلون خطرا بتأثيرهم على ابناء الكوفة وألقى القبض عليهم وقتلهم فحبس ميثم وقتله، وسجن المختار وقتل من الصحابة والتابعين وابناءهم الكثير.

فسرعان مابدأ تأثير هذا البطش وسفك الدماء وزرع الشقاق فانشقوا وتفرقوا وانقلبوا على اعقابهم نقضوا ونكثوا البيعة وخسروا الذنيا والآخرة.

فليس الكوفة فقط من تخلى عن مسلم فالمسؤولية تشمل جميع البلدان الإسلامية وشعوبها عندما تخلو عن سبط النبي مما يعني تخليهم عن الرسول ورسالته وهو يعتبر قريب العهد بهم، فقد كان الامام الحسين في المديون المنورة وخرج منها الى مكة المكرة في اثناء وقت الحج والمسلمين مجتمعين لآداء فريضة الحج مرورا بمناطق وأماكن كثيره في طريقه من الحجاز وصولا الى كربلاء المقدسة.

فعلي لم يخسر معركة بل فاز ورب الكعبة، والإمام الحسين لم يخسروا جوله بل اليوم مثل يقتدى، ومسلم قالها بكل شجاعه في وجه الطاغية ابن زياد، «انا ارجوا أن يرزقني الله الشهادة على يد شر بريته، فوالله ما خالفت ولا بدلت، وإنما أنا في طاعة أمير المؤمنين الحسين بن علي ، ونحن أولى بالخلافة من معاوية وأبنه وال زياد».

فكان له رضوان الله عليه السبق من أصحاب الامام الحسين ، دفاعا بقاء الدين الحنيف واعلاء كلمة لا اله الا الله محمد رسول الله الذي هددت بالفناء.

دفن مسلم رضوان الله عليه، بجانب المسجد الأعظم في الكوفة، ومشهده اليوم ينافس الآفاق رفعة وبهاء، يزدحم عنده المسلمين من مشارق الارض ومغاربها عرفانا له وماقدمه للإسلام، يتعلموا منه معنى التضحية، فاليوم لا تكاد تذكر الكوفة الا ويذكر أسم مسلم رضوان الله عليه، ولا تذكر كربلاء الا يذكر اول شهداءها،

كشفت نهضة الحسين المباركة ورسوله مسلم رضوان الله عليه، عن العديد من الدرر التي سطرت أسماءها في صفحات التاريخ كأعظم وانبل الشخصيات المخلصة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه واله، رجال ترفعت عن الذنيا فكساها الله ثوب العز والكرامة، قدمت رضا الله تعالى فكانت مثلا للطهارة، عكس ظالمي ال البيت، كانت صفتهم الغدر وديدنهم الجور وسمتهم الخيانة، وشهرتهم محاربة الدين.