آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

حنين

مهما اختلفنا في توصيف حاضرنا وإرهاصات الظروف المصاحبة له وما يواجه الفرد في طريق تكوين شخصيته وتنمية قدراته المختلفة، وكذلك الغايات التي يؤمل من خلالها الاستفياء براحة البال وهدوء النفس والعلاقات الناجحة التي تعود عليه بالثقة والاحترام المتبادل والوئام، فإن واقعنا بالتأكيد يختلف تماما عن طفولتنا الجميلة والتي نجد فيها كل الصور الضائعة والتي كانت تدغدغ مشاعرنا، وتسكب على نفوسنا الابتسامة الصادقة ومشاعر الإخوة، وحتى الخلافات كانت بريئة ومضحكة فلا تستمر لأكثر من وقت قصير حتى تعود لسابق عهدها، فلا مكان في القلوب للكراهية والعداوات والقطيعة.

ولنا أن نتساءل عن الزمن الجميل لم ضيعناه وتبدلت مشاهده بواقع صعب مرهق لا نلتقط فيه أنفاسنا بسبب تعقيد ظروفه وتشابك خطوطه وعوامله، نعم، لقد كانت مظلة القيم الأخلاقية والآداب الاجتماعية خيمة يستظل تحتها الجميع، فهناك قداسة واحترام لقيمة الحقوق والعلاقات ومصداقية الفرد وقوته النابعة من شفافيته وصراحته، أما اليوم فقد ضرب بعرض الحائط تلك القيم وتقدمت راية الانتهازية المتخفية تحت معنى المنفعة والمصالح الخاصة مهما كانت طرق وأساليب تحقيقها، ولا يعجز دهاة الفكر الأبالسة عن تمويه وتعويم الكلمات وتقديم المبررات وطرق الكلام الالتوائية لتلميع المواقف وإثبات مصداقيتها.

والأمر الثاني يتعلق بالاتجاه القوي نحو الحياة المادية دون وضع اعتبار لأي شيء آخر، فواجهنا واقعا مستجدا يتصف بالصعوبة والتعقيد الشديد لم نألفه ويصعب التخلص منه كهاجس مخيف، فلعبة الأزرار والسرعة في اتخاذ القرار ومضة جميلة حينما تتكيء على دراسة وافية للعواقب والنتائج المترتبة عليها، ويكون خطوة كارثية إذا اعتمد على الأهواء والخطى المتهورة وهذا ما استجد في حياتنا وأصبح له حضور واسع، فالخلافات والمشاكل على مستوى الأسرة لا نختلف حول ضحالة وبساطة كثير من عوامل الخلاف والتي لا تستحق تلك المشاحنات الناشبة بسببها بل وتصل إلى الانفصال، فما أسرع ما ننسى المواقف الجميلة مع شريك الحياة فأضحينا مستعدين لهدم عشنا الزوجي، لمجرد خلاف بسيط يمكن تجاوزه بشيء من العقلانية والتفاهم والحوار، ولكننا اخترنا طريق التهور وتحقيق الانتصارات الوهمية وفرض معادلات القوة!!

وعلى مستوى الصداقات سادت التضحيات مشهد أجمل العلاقات ليس بالإيثار والعمل الجاد من أجل إسعاده أو مساندته في المواقف الصعبة، ولكنه - وللأسف - الاستعداد للتضحية به والتخلي عنه لمجرد خطأ أو خلاف بسيط، لما تعد عندنا القدرة على التعامل بواقعية مع مشاكلنا ومن جهة أخرى نجد في راحة بالنا قيمة مقدسة لا نقبل المساس بها وإن كانت على حساب التخلي عن مشاعرنا الصادقة وإيذاء أقرب الناس منا.

وكانت قيمة ما نتلقاه من أحبابنا من هدايا ترتكز على الجهة المعنوية بإحساسنا بوجود قوي في قلوبهم، وأما اليوم فمدى حبهم يوزن بالثمن المادي!

بالأمس كانت صلات القربى والأرحام تحظى باحترام واهتمام ولها قيمة عالية تسير بها في اتجاه التواصل والبر والتكاتف، واليوم لا تتعدى حجم الرسميات وتحايا المجاملات فلا تجمعهم حتى أصعب الظروف.

نحن بحاجة لتأمل متأني لهذا الواقع المرير والمؤسف في بعض مفاصل حياتنا وعلاقاتنا، فنشيع ثقافة الحب والاحترام ومنظومة الشخصية القوية عن طريق المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية.