آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

فنجان قهوة / 1

ليس لما سوف تقرأ ربطٌ كثيرٌ بالقهوة فإن كنتَ تبحث عن القهوةِ بذاتها فلن ينفعكَ هذا المقال، أو التي تليهِ من الكتابة تحتَ هذا العنوان. وإنما أنا اخترتُ هذا العنوانَ لبعضِ الحلقاتِ المترابطة في نهاياتِ شهرِ حزيران وأوائلَ أيام شهر تموز أملاً أن تسكنَ فيكَ حرارةَ الجو الملتهب وتشدكَ للنظرِ فيها!

في مطلعِ الثمانيناتِ من القرنِ الماضي كنا نشتري الأشياءَ في الغربة وكثيراً ما كان السعر يوضع عليها بالفروقات، فلن تجدَ أحداً يبيعك غرضاً ”بمئة دولار“ ولكن الكثير سوف يبيعها ”بتسعة وتسعينَ دولاراً وتسعةَ وتسعين سنتاً“. بعد عشراتِ السنين أصبح الباعةُ والتجار عندنا هكذا يضعونَ الأسعارَ على بضاعتهم. كنت أعتبر هذا نوعاً من السذاجة، فالفارق لن يغنيني ولا يهمني أن أدفعه لتاجرٍ آخر،  ولكن بعد عشراتِ السنين من العمرِ عرفت أن الحياةَ كلها وحتى الدينَ والآخرة قائمٌ على مبدأ ”الفروقات البسيطة“. تلك الفروقات هي التي تملأ جيبَ التاجرِ ذهباً، ونفسَ العامل رضاً، وترفع المؤمنَ درجات، وهي التي تفرق بين الإنسانِ والحيوان!

في هذه الرحلةِ القصيرة سوف أطوفُ معك على بعضِ الفروقاتِ في الحياةِ التي قد تهمك إن كنت طالباً أو عاملاً، أو متطلعاً لمزيدٍ من الفارقِ البسيط الذي يضعك في خانةٍ أكثرَ إيجابيةً مع مرورِ الزمن، إذ ليس في الحياة نقلاتٌ نوعيةٌ بين ليلةٍ وضحاها إلا ما ندر، فالرياح لا تفتت الجبالَ وتعريها دفعةً واحدة، بل تنحتها شيئاً فشيئاً  دونَ أن تدركَ الصخورُ ماذا تريد الريحُ أن تفعل بها.

وأنا أكتب عن الفروقات، أسأل نفسي بالنيابةِ عنك: ما الذي يعطي إنساناً عادياً الفارقَ الذي يشد الناسَ نحو قضاء دقائقَ من أعمارهم الثمينة في تصفحِ كتاباتٍ يكتبها ليس فيها من جديد؟ في الواقع لا شيء، سوى أنها سوف تكون موجةً أخرى تنحت في صخرةِ معرفتك العاتية لعلها تحفر فيها أثراً بين الآثار، وتترك لي في أنانيتي اسماً في ذاكرتكَ دون أن أكونَ رجلاً من الأغمار. كما أن هذه المواعيد والتورايخ تعطينا أملاً في الوصولِ إليها فيما يعطينا القدر من الفرصِ والفسح أن ننتقل وتنتقل معنا الصحةُ والأجل من نقلةٍ لأخرى!

نحن في زمنٍ لا تنقصنا فيه المعرفة، إذ المعرفة تباع دونَ ثمنٍ وفي كل العلوم، فماذا ينقص كل منا أن يبحثَ عنها ويفعلها في حياته دون أن يبرمه الآخرون بالتذكير؟ مرةً أخرى ليس عندي جواباً سوى أن لكلٍّ منا حياة مختلفة عن غيره تتعدد بتعددِ البشر، وليس مطلوباً منا أن يحاكي كلٌّ منا الآخرَ ونكون نسخاً مكررةً من غيرنا، ولكن المطلوب منا أن نكونَ نسخةً متفردةً في الجمالِ والسكون ما استطعنا، فهلا فعلنا؟!

مستشار أعلى هندسة بترول