آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

التسامح.. الاساءة

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض معايير متعددة في العفو والصفح والتسامح، على اختلاف ألفاظها ومسمياتها ومدلولاتها، فاذا صدرت الاساءة من الاغنياء يكون الصفح سيد الاحكام، فيما العقاب يسري على الجميع، بمجرد صدور الاساءة من الفقراء، نظرا لاختلاف المصالح التي تجيير المبادئ الاخلاقية، خصوصا وان الفقراء يعيشون في عالم مختلف تماما عن عالم الاغنياء الصاخب، والحافل بشبكة العلاقات النفعية، مما يستدعي وضع المصالح المستقبلية في الاعتبار، باعتبارها المحرك الاساس في تفعيل مبدأ العقاب والثواب، وكذلك قانون العفو والصفح، حيث لخص هذه المعايير المجحفة عنترة بن شداد بقوله ”يُنادُونني في السِّلم يا بْنَ زَبيبة …وعندَ صدامِ الخيلِ يا ابنَ الأطايبِ“.

التفريق بين الإساءات تمثل المدخل لاتخاذ قرارات متعددة، واحيانا أحكاما جائرة وظالمة تجاه بعض الفئات الاجتماعية، لاسيما وان ”لا احد فوق القانون“ يجري تطبيقه بانتقائية واضحة، بحيث يكون السيف الحاكم والقادر على فرض العدالة، والقضاء على التجاوزات غير المسؤولة في المجتمع، بينما يقدم العفو والتسامح على جميع الاحكام، لما يشكل من سياسة قادرة على احداث تغييرات جذرية، في نفوس الفئة القريبة من العناصر المسيئة، وبالتالي فان تغليب المصالح الخاصة يقضي على مبدأ المساواة، في التعاطي مع الاخطاء، بحيث تتجلى في الاحكام القاسية على الفقراء، والمتساهلة على بعض الفئات النفاذة في المجتمع.

لا يعدم اصحاب المصالح الوسيلة، في تبرير المواقف المتناقضة، وغير الثابتة في التعاطي، مع الإساءات الصادرة من مختلف الشرائح البشرية، حيث يمتلك هؤلاء القدرة على توجيه القرارات وفقا للأهواء، من اجل تسويقها بالشكل الذي يمتص ردة الفعل القوية، خصوصا وان التعاطي المختلف يحدث حالة من الاحباط لدى فئات اجتماعية، اكتوت بنيران ثورة الغضب الناجمة عن تطبيق القانون عليها، فيما تتلمس الوجه الاخر من القانون، وتغليب العفو والصفح على إساءات مماثلة، انطلاقا من مبدأ ”كل يجر النار الى قرصه“

يحاول اصحاب القلب ”المرهف“، تبرير التسامح ”بالعفو عند المقدرة“، واظهار الرحمة مقابل الغلظة والقسوة، تجاه إساءات يمكن تجاوزها وعدم الالتفات اليها، ”العذر عن كرام الناس مقبول“، خصوصا وان حجم الاساءة لا يستدعي تغليظ العقوبة، وتقديم التسامح باعتباره الاكثر قدرة، على تصحيح بعض المسارات الخاطئة، وبالتالي فان نشر ثقافة التسامح تفرض انتهاج خيارات متعددة، لاسيما وان الخطأ يقاس بمدى انعكاسات على البيئة الاجتماعية.

القضاء على مبدأ التعاطي غير السليم مع الإساءات، وتطبيق النظام على الجميع، بعيدا عن الأوضاع الاجتماعية، يحدث حالة من الرضا النفسي، ويحقق مبدأ العدالة الاجتماعية، لاسيما وان الاختلاف في الاحكام يفاقم حالة السخط، لدى الكثير من الفئات الاجتماعية، مما يسهم في احداث انقسام داخلي، وامتعاض من سياسة ”الكيل بمكيالين“، وبالتالي ضياع الجهود المبذولة لخلق الانسجام الداخلي، ورص البيت الداخلي، جراء التصرفات غير الاخلاقية، الناجمة عن التفاوت في التعامل مع الإساءات.

التسامح عملية مطلوبة، وصفة اخلاقية، قادرة على ازالة الغل من النفوس، بيد ان الانتقائية في التطبيق يعطي نتائج عكسية في الغالب، فالمرء بحاجة الى وضع ضوابط صارمة، لاعتماد مبدأ الصفح والعفو، لاحداث الأثر النفسي المطلوب، عوضا من الاعتماد القرارات المستندة على المصالح الخاصة، لاسيما فيما يتعلق ببعض الحالات ذات الأثر الكبير على البيئة الاجتماعية.

كاتب صحفي