آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:55 م

هويّة واحدة..!

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

في عالم التقنية والاتصالات لم يعد معنى الصمت أن تجلس لوحدك فقط، فحتى لو كنت وحيداً فالأجهزة التي ترافقك لن تصمت وتجعلك تتمتع بالهدوء، تصبح وحيداً جسدياً فقط ولكنك محاط بالبشرية جمعاء؛ لأنك تتواصل معهم عبر الأجهزة التي بين يديك، يقول ”يليس باسكال“: ”كل مشكلات الإنسان تنبع من عدم قدرته على الجلوس بمفرده في حجرة يكتنفها الهدوء لفترة زمنية“. السؤال، ما مدى حاجتنا إلى الصمت وسط هذا الضجيج، وما حال أطفالنا؟ كيف نجعلهم يتذوقون حلاوة الصمت الذي يخرج بك إلى أفق الهدوء النفسي؟ وكيف نبعدهم عن كل هذا الضجيج؟ فالحياة تتشابه ملامحها في كل مكان، فمازلنا نُصاب بعدوى انتقال المشاعر والتي تعبر عن الانتقال من دائرتك إلى دوائر الآخرين ممتصين كل ما يشعر به الآخر أياً كان، والأكيد أننا لسنا بحاجة لحمل مشكلات الآخرين وهمومهم، جميل أن تتعامل مع الجماعة وتجاريها، ولكن ليس لدرجة أن تعيش بها وتستنزف طاقتك وقدراتك، والتقنية نقلت لنا المشاعر بشكل جماعي، وأصبحنا لا نعترض بل مستقبلين للأفكار، فكلما وافقنا الآخرين بأقوالهم وأفعالهم كلما كنا أقرب إليهم وأسهل بالتعامل معهم، فطبيعة الإنسان الاجتماعية تحتم عليه البحث عن القبول في كل مناشط الحياة، فموافقة الجماعة هي معيار القبول الاجتماعي، والانتماء للجماعة يحارب نظام التوحد بالفكرة الواحدة أو القرار الواحد ومن ثم العزلة المفروضة على كل من خالف التوجهات والتيار الاجتماعي، والتقنية أيضاً عززت من هذا، والملاحظ لمجتمعات اليوم في الآونة الأخيرة سيجد أنه يطغى عليه تيار النظرية الجمعية، والكل للكل، وذلك بسبب التقنية ووسائل التواصل فيها، والتي أصبحت ككتلة واحدة، وكأن البشر اجتمعوا على منهج واحد، أعرف أناساً كثيرين يعتقدون بشيء ويصرحون للعلن باعتقادات مخالفة تماماً لما يؤمنون به، ولكنها تتفق مع ما تؤمن به الجماعة، خوفاً من النبذ والبقاء خارج سرب فكرهم المليء بالتناقضات، وهذا في الغالب يلغي كينونة وهوية الإنسان، فليس بالضرورة أن تتفق مع الآخر لتحظى بالقبول، وليس حكم الجماعة دائماً صائباً، إذاً ثقافة الرأي الواحد لا بد أن تنجلي، ولكن قبل ذلك لابد من إيجاد بدائل تحمي المختلف من بطش الجماعة، هل فعلاً سنجد المختلف ونحن نتعامل مع ”الإنترنت“ بكل ما فيها من وسائل تواصل اجتماعي، أم أن البشر سيكون لهم هوية واحدة وفكرة واحدة.