آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

صناعة الذات

محمد أحمد التاروتي *

تطوير الذات عملية ضرورية، للتعاطي مع التحديات والمستجدات الحياتية، ”من عرف لغة قوم امن مكرهم“، فالمرء الذي يتقوقع على الذات ويغلق تفكيره عن التطورات ويعطي ظهره لما يجري من احداث تاريخية ومفصلية، يبقى متخلفا عن مواكبة العصر وادراك التحولات الصغيرة فضلا عن الكبيرة، مما يسمح للاخرين بتجاوزه بمراحل ضوئية، مما ينعكس على صورة البقاء في مؤخرة الركب على الدوام، خصوصا وان لغة العصر في تطور دائم وكبير، عطفا على درجة التقدم الذي تحققه البشرية من حقبة زمنية لأخرى.

الرغبة في تطوير الذات خطوة اساسية، للبدء مشوار ”الألف ميل“، لاسيما وان الحالة النفسية والاستعداد لمواكبة مستجدات العصر، مدخل رئيسي للانطلاق وفق المنهجية السليمة، للامساك بتلابيب عملية التطوير المستمرة، لاسيما وان إغماض العين عن مجريات العصر يترك تداعيات نفسية ومادية على المرء، مما يستدعي التحرك الواعي باتجاه خلق البيئة المناسبة، للانخراط بشكل موائم مع لغة العصر، خصوصا وان كل حقبة زمنية بحاجة الى مفتاح لفك أبواب عقد الحياة، مما يخلق للقدرة على التعاطي، مع المستجدات عبر الابواب المشرعة.

البدء في الخطوات العملية لتطوير الذات، تشكل المنهجية الصائبة لملاحقة المستجدات العصرية، فالعملية تتطلب الكثير من الاجتهاد، والمزيد من الصبر، وكذلك مواصلة المشوار حتى النهاية، لاسيما وان الدخول في مضمار سباق تطوير الذات لا ينتهي عند مرحلة عمرية محددة، وإنما يستمر مع الانسان طيلة الحياة، فالتوقف يمثل التخلف ادراك ما يجري، مما يولد حالة من الجمود عن القراءة الصحيحة لمتطلبات العصر، وبالتالي فان التحرك الدائم لا يعني مواكبة لغة العصر فقط، وانما القدرة على توسيع المدارك على الدوام، بحيث تسهم في امكانية استيعاب ما يجري في البيئة الاجتماعية، القريبة والبعيدة على حد سواء.

الاستفادة من القدرات الذاتية، مدخل اساسي لتطوير الذات، فالمرء مطالب بالوقوف على امكانياته الذاتية، للتعرف على الكثير من المفارقات مع الاخرين، خصوصا وان القدرات تختلف من شخص لاخر، وبالتالي فان محاولة تقليد الاخرين لا تجلب سوى الخيبة، والخسران في الكثير من الاحيان، مما يعني ان الوقفة الجادة مع الذات كفيلة باكتشاف الكثير من الامور، مما يمهد الطريق للانطلاق بصورة سليمة في عملية البناء الذاتي، قبل اتخاذ القرارات المصيرية ذات العلاقة بالتطورات العصرية، في مختلف المراحل الزمنية.

بالاضافة لذلك، فان العملية التراكمية في التعرف على المزيد من الأدوات العصرية، شكل من اشكال صناعة الذات، فالمرء ليس قادرًا على الإحاطة بجميع الامور دفعة واحدة، مما يعني المثابرة على الدوام، والعمل بشكل منهجي، للوصول الى الهدف المرسوم، بمعنى اخر، فان الانعزالية عن المحيط الخارجي تجلب الويلات على المرء، مما يستدعي التنازل في بعض المحطات الحياتية، وكذلك العمل على الاستفادة من الفرص المتاحة، لتطوير الذات، خصوصا وان النضوج الحياتي مرتبطة بمجمل التجارب الحياتية، سواء كانت تلك التجارب شخصية او اجتماعية، فالمرء يتعلم من الاخطاء الصغيرة منها والكبيرة، كما يكتسب الخبرة من تجارب الاخرين، وبالتالي فان الانطوائية الزائدة لا تخدم صناعة الذات، بقدر ما تسبب الكثير من المشاكل في المراحل المستقبلية.

صناعة الذات مفتاح اساسي لمواجهة مصاعب الحياة، مما يفتح المجال امام الانسان لركوب القوارب، القادرة على قراءة لغة العصر بطريقة مناسبة، بحيث تنعكس بصورة مباشرة على المسيرة الحياتية، من خلال تسجيل المزيد من النجاحات وتقليل مؤشرات الفشل، في التعاطي مع المستجدات الطارئة، بمختلف المراحل الزمنية.

كاتب صحفي