آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

الكفر بالنعمة

محمد أحمد التاروتي *

يتعاطى البعض مع التحولات الكبيرة، في المستوى المادي والاجتماعي، بنوع من المكابرة ونسيان الماضي البائس، اذ يحاول التعويض عن حالة العوز والفقر، بالمفاخرة الكذابة لتغطية تلك الحقبة الزمنية، فهو يعتقد ان الذاكرة الاجتماعية ضعيفة او مفقودة، مما يجعله يتنكر لبيئته السابقة، من خلال التعالي او النكران للتاريخ السالف في اغلب الاحيان، بغرض رسم صورة مغايرة تماما، عن الصورة المطبوعة لدى المحيط الاجتماعي، الامر الذي يترجم على شكل مواقف متعددة، وغير مألوفة الاطلاق.

التحرك باتجاه تحسين المستوى المادي، واعادة التموضع على الصعيد الاجتماعي، حق مشروع ومطلوب على الدوام، فالمرء مطالب لإعادة رسم الاولويات، بما ينسجم مع الخروج من الضائقة المالية، الى بحبوحة حياة الرفاهية، وكذلك خلق الاليات المناسبة لتحسين المستوى الاجتماعي، لاسيما وان الاستسلام والبقاء حبيس الفقر، او الجلوس في الصفوف الخلفية اجتماعيا، يكشف عن فقدان القدرة على مقاومة صعوبات الحياة، وكذلك يكرس الاقتناع غير المحمود بالفقر، مما يجعله عالة على المجتمع، جراء طلب المساعدة على الدوام، كما ان الارتقاء بالمستوى الثقافي، ومواصلة مشوار العلم، يساعد في الصعود على المستوى الاجتماعي.

المسلك الخاطئ الذي يتخذه البعض في التعبير عن التحولات الجديدة، على المستوى المادي وكذلك الجانب الاجتماعي، يستدعي اعادة ترتيب الاولويات بما يحافظ على الوضع الجديد، لاسيما وان الانغماس غير المتوازن في التعاطي مع الشرائح الاجتماعية، يفاقم الهوة ويكرس القطيعة مع الاخرين، خصوصا وان الاخلاقيات تنقلب رأسا على عقب في كثير من الاحيان، بمجرد الاحساس بالتحول الجديد على صعيد العلاقات الاجتماعية، حيث يبدأ هؤلاء ممارسة التعالي، وعدم التوازن في التعاطي مع شبكة العلاقات الشخصية، مما ينعكس على ”الكفر“ بالماضي، والانسلاخ عن الواقع السابق، بطريقة مستفزة وغير مقبولة على الاطلاق، الامر الذي يحدث حالة من الصدمة، لدى الكثير من الشرائح الاجتماعية.

التعبير المستفز عن التحولات الجديدة، على المستوى المالي او الصعيد الاجتماعي، يتخذ اشكالا متعددة وغير متوقعة على الاطلاق، فتارة من خلال الوقوف في وجه التيار الاجتماعي، بطريقة فجة وصادمة، وتارة اخرى بواسطة انتهاج سلوكيات جديدة كنوع من التعبير عن التحول الجديد، فهذه الشريحة لا تترك مناسبة صغيرة او كبيرة، دون اطلاق فرقعة إعلامية، باعتبارها احد الوسائل لتعويض النقص الداخلي، تجاه الماضي البائس، سواء على الصعيد المالي او الاجتماعي.

الكفر بالنعمة يمثل ابرز ملامح الممارسات غير المتوازنة، لاصحاب النعمة الجديدة «المادية - الاجتناعية»، خصوصا وان بعض حديثي النعمة يصابون بحالة من الغرور، وفقدان على السيطرة، فيما يتعلق بالسلوكيات الخارجية، نظرا للشعور بالانتفاخ الداخلي، والاحساس بمزايا التحولات الجديدة، بحيث تتحول الى مواقف اكثر جرأة، لمواجهة القواعد الاجتماعية السائدة، فالخروج على تلك القواعد يمثل البداية للتعبير عن القناعات الجديدة، بيد ان الامور في كثير من الاحيان، تأتي بما لا تشتهي سفن هذه الشريحة، فعوضا من تحقيق أهدافها المرسومة، تواجه بنوع من البرود، وعدم اللامبالاة، من غالبية الشرائح الاجتماعية، مما يولد حالة من الاحباط والانكسار الداخلي في بعض الاحيان.

الاعتراف بنعمة الله يتطلب الحفاظ عليها، وعدم الانسياق وراء السلوكيات غير المتوازنة، باعتبارها ممارسات غير محمودة، وتمثل حالة من نكران النعمة، وبالتالي فان المرء مطالب بالتحرك الواعي، بمجرد الانتقال من ضفة الفقر الى ضفة الغني، نظرا للتداعيات المترتبة على السلوك المتعالي، «وَضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ».

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
جواد المعراج
[ القطيف ]: 14 / 7 / 2019م - 12:02 ص
يعطيك العافية أكثر واحد أقرا مقالاته بجهينة ..مقالاتك واجد مفيدة إلى الشباب.
كاتب صحفي