آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

“خمسون ألف صورة”.. الأفكار التي لا تنقذها الكاميرا!.

أثير السادة *

لدى كاتب ومخرج فيلم“50 ألف صورة”، الفنان عبدالجليل الناصر، ما يحرضه على التورط في مغامرة سينمائية تتناول عالم الصورة الفوتوغرافية، ففضلاً عن هيمنة الصورة على أشكال تواصلنا الإنساني اليوم، هنالك حضورها التبجيلي كذاكرة يأنس الناس في استعادتها كرأسمال عاطفي كلما شاؤوا التواصل مع لحظات غادرت وشخوص غابت عن الأنظار.. لذلك يحاول في فيلمه القصير أن يتأمل في معنى غياب صور من نحب، مستعيداً واحدة من قصص الخوف من الصورة التي كان يعززها الخطاب الديني السلفي، حيث يعمد رجل لحرق صوره وصور العائلة.

لا يمكن أن نغفل النية المعلنة منذ البداية في هذا العمل لإدانة خطاب الثمانينيات، والذي يلقى رواجاً اليوم تحت عنوان نقد الصحوة الدينية، فبطل العمل الذي سيقصد متحف الرجل المسن والمهتم بجمع صور أهل البلدة، يجري تقديمه باعتباره أحد ضحايا هذا الوعي المتشدد، يشعر بالارتباك العاطفي لعدم قدرته على التواصل حسياً عبر الصورة مع أبيه الذي غادره وهو في أول العمر، يجرب تقليب الصور والألبومات في المتحف المملوء بالصور في محاولة لإيجاد صورة ترفع أبيه من حيز النسيان والغياب.

هذه التداعيات الشعورية لا تذهب بعيدا في تكثيف الحدث الدرامي، فالحوارات التي تجري بين الاثنين، الإبن وصاحب المتحف، لا تستدرجنا إلى امتدادات درامية معقدة للنص، أو لنقل إلى لحظات توتر خلاقة تهب الحدث منحنيات فاعلة دراميا، بل هي منشغلة في الأغلب في إدانة حرق الصور، والتوكيد على حالة الاستيحاش التي تنال من روح الإبن وهو يبحث عن إشارات دالة على وجود أبيه عبر الصور المتناثرة.

في الفيلم، هنالك اشتغال على بناء وتكوين الصورة أكثر من أي شيء آخر، لكنها صور لا تفسر بقدر ما تصف، يجري فيها الاعتناء بجماليات الإضاءة واللقطات الواسعة والقريبة، فيما يبدو تنويعا مقصوداً لرفع الرتابة عن القصة التي خسرت عناصر التشويق فيها بانكشافها المبكر، وبخلوها من التحولات والحوارات التي يمكن أن تزرع في المتلقي حالة من الترقب والانتظار.

كان يمكن لهذه الاستدعاء لمعرض علي آل محيف بصوره الكثيرة أن يكون نافذة لاستدعاء الكثير من قصص الناس، واستدماجها ضمن السياق الدرامي للفيلم، من أجل خلق خطوط درامية أوسع وأعمق، ومن أجل الهروب من الحس التقريري الذي يختطف من العرض رسالته الفنية باتجاه رسالة إيدلوجية، فغياب الصورة الفوتوغرافية وحضورها أمر أعقد من مجرد الحديث عن حرية إزالة الصور والاحتفاظ بها في أجهزة الجوال، والحديث عن الصورة أكثر صعوبة من الصورة ذاتها، فهذه الصور التي تصفنا تبدو عصية على الوصف معظم الأحيان!.

والحاصل أن صناعة الأفلام القصيرة محلياً تتقدم بوتيرة عالية على مستوى التقنية وتوظيفاتها، غير أن الكثير مازال أمامنا لننجزه على مستوى كتابة السيناريو، وتحويل الأفكار والمشاهدات اليومية إلى حالة درامية، والنص هو الركيزة الأساسية في بناء الأفلام، والنص الجيد كفيل بأن يأخذ وجودنا الإنساني إلى فضاء الفن، وتحويله إلى مادة تواصلية مع الآخرين في كافة أصقاع الأرض.


وبس.