آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الأخطاء.. المبررات

محمد أحمد التاروتي *

ارتكاب الأخطاء جزء من الطبيعة البشرية، ”كلُّ ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون“، فالانسان معرض للخطأ بين لحظة وأخرى طيلة مسيرته الحياتية، نظرا لافتقاره للعصمة التي تجهز عن ارتكاب الهفوات وتجنبه الإساءة، سواء بحق ذاته او تجاه المجتمع، بيد ان الفارق يمكن في التعلم من الأخطاء السابقة، وعدم العودة اليها باي شكل من الأشكال، فتكرار الأخطاء ينم عن مكابرة ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى? وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ، وأحيانا يكشف عن الافتقار التام للتفريق بين السلوك السليم والخاطئ.

الاعتذار عن الأخطاء اقصر الطرق لمحو الاثار من النفوس، وفتح صفحة جديدة قائمة على الاحترام المتبادل، وعدم تكرار السلوك الخاطئ في العلاقات القادمة، لاسيما وان الاعتذار لا ينم عن ضعف او خوف، بقدر ما يترجم شجاعة ليست متاحة لدى أطراف عديدة، فالبعض يحاول تبرير الأخطاء عبر الإصرار ومواصلة الاساءة، مما يسهم في تعقيد الأمور وزيادة الفجوة بين الأطراف، الامر الذي يفضي الى افتعال أزمات، بعضها ذات إطار شخصي، والبعض الاخر يشمل الكثير من الشرائح الاجتماعية، مما ينعكس بصورة مباشرة على توتير العلاقات الاجتماعية، بحيث تؤثر على النسيج الداخلي في المجتمع الواحد.

انتهاج سبيل التبرير لمواصلة المسلك الخاطئ، يقود للانغماس بشكل اكبر في طريق الخطأ، فالمبررات المقدمة ليست مقنعة في الغالب، بقدر ما تهدف للاستمرار في ارتكاب الأخطاء في المسيرة الحياتية، ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان، ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر، بمعنى اخر، فان التحركات الخاطئة مرتبطة بالآليات المتبعة في معالجتها، فالتراجع في الوقت المناسب يفضي لتصحيح المسار، والخروج باقل الخسائر، بينما تكون الأمور اكثر صعوبة مع مواصلة المشوار، وعدم الالتفات لصوت العقل بالعودة مجددا لجادة الصواب «الاعتراف بالحق فضيلة»، وبالتالي فان المرء يحدد طريقة حياته في التعاطي مع الاخرين، فاذا اتخذ سبيل الصواب، وتخلى عن المكابرة، والغرور الذاتي، فانه ينقذ ذاته من المصير المجهول.

تختلف النظرة للمبررات التي يسوقها البعض، في الاستمرار بالسير في الطريق الخاطئ، فالبعض يتعامل مع تلك المبررات بنوع من التسامح والتغافل المقصود، باعتبارها أدوات أخلاقية للإبقاء على الروابط الاجتماعية، والحيلولة دون التوقف كثيرا امام بعض الهفوات، لاسيما وان الطبيعة البشرية مجبولة على ارتكاب الأخطاء، بحق نفسها وتجاه الاخرين، الامر الذي ينعكس على صورة التناسي التام، وعدم الالتفاف للوراء مطلقا، فالعبرة بطبيعة العلاقات الاجتماعية المستقبلية.

بينما يتخذ البعض موقفا حاسما تجاه الأخطاء، وعدم انتهاج الصفح وسيلة لترطيب العلاقات الاجتماعية، فهذه النوعية من البشر تتخذ شعارا دائما «الخطأ الأول هو الأخير»، مما يفرض وضع ضوابط صارمة في طريقة التعامل، لاسيما وان الخطأ لا يغتفر على الاطلاق، وبالتالي فان «عفا الله عما سلف» قاعدة ليست واردة، في قاموس هذه الفئة على الاطلاق، كونها تشجع على التمادي، وتجاوز الحدود الحاكمة، في شبكة العلاقات الاجتماعية.

المبررات تكون مقبولة في تمرير بعض الأخطاء، ولكنها مرفوضة في الأخطاء القاتلة، لاسيما وان هناك أخطاء تؤثر على المجتمع، وتقوض أركانه، مما يجعل المبررات بمثابة الاستخفاف بعقول الاخرين، الامر الذي يستدعي اتخاذ المواقف الحاسمة والرافضة، بهدف إعادة الأمور للجادة الصائبة، عوضا من السكوت والموافقة على الأخطاء الجسيمة، فغض الطرف يترك تداعيات سلبية على البيئة الاجتماعية، بحيث تتجاوز الصعيد الفردي، لتشمل الجميع بدون استثناء.

كاتب صحفي