آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

الغموض.. العقدة

محمد أحمد التاروتي *

سياسة الغموض او ”العقدة“، في الروايات البوليسية، او الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، طريقة متبعة ومقبولة، باعتبارها اللعبة الحقيقية لزيادة التشويق، فالوضوح الكامل يقضي على تسلسل الاحداث، في الروايات البوليسية او المسلسلات، مما يدفع الكتّاب لإخفاء المفتاح، القادر على فتح جميع العقد، التي تعترض تسلسل الاحداث، وبالتالي فان الغموض يكون ”محمودا“ او مغتفرا لدى القارئ او المشاهد، فهو يعطي دلالة على براعة الكاتب في صياغة ”الحبكة“ بطريقة احترافية، نظرا لما تمتاز به من مفاجآت غير متوقعة على الاطلاق.

الغموض الذي يمارسه البعض، تجاه الكثير من الملفات الشائكة، يكون أحيانا مقبولا ومطلوبا، خصوصا وان الكشف عن الأمور يدمرها وينسفها، مما يقود الى الفشل وضياع الجهود المبذولة، لمعالجة تلك القضايا على نار هادئة، من اجل الخروج بنتائج مرضية، بحيث تقضي على التشنج الحاصل، لدى مختلف الأطراف، ”إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له“، ”اكتم ذهبك وذهابك ومذهبك“، وبالتالي فان الغموض يمثل خيارا استراتيجيا، لتفويت الفرصة على الاخر الراغب، في تخريب التحركات الحميدة، لاسيما وان المصالح الخاصة تمثل المحرك الأساس وراء التحرك، للقضاء على المساعي الحميدة، لمعالجة الأمور بطريقة إيجابية.

بينما الغموض الممارس في المواقف المصيرية مرفوض ومنبوذا، ”افضل الاعمال كلمة حق عند سلطان جائر“، فالبقاء على الحياد او التواري في الظل، يشكل صدمة كبرى للعديد من الفئات الاجتماعية، خصوصا وان الموقف الواضح والصريح يعطي زخما قويا، في الأوقات الحاسمة والمفصلية، بينما السكوت وممارسة الغموض ”المقصود“ ينم عن تأرجح، وعدم امتلاك القرار في الوقت المناسب، بمعنى اخر، فان المكانة الاجتماعية تفرض انتهاج سياسة واضحة، في مختلف القضايا القائمة ذات الأثر الكبير، فالقاعدة الشعبية تنتظر الموقف الصريح بدلا من الغموض، وانتهاج سياسة اللف والدوران، لاسيما وان البقاء في حالة سكوت وعدم البوح بالموقف الصريح، يحدث فجوة كبرى مع القاعدة الشعبية، مما يستدعي اتخاذ سياسة الوضوح منذ اللحظات الأولى، وعدم الاكتفاء بالمراقبة، وانتظار انتهاء المشكلة.

تقدير الموقف يحدد سياسة الغموض او الوضوح، فهناك الكثير من المشاكل تستدعي الجهر بالقول بشكل مباشر، وعدم الانتظار على الاطلاق، نظرا للانعكاسات السلبية الناجمة عن تفشي مثل هذه القضايا في المجتمع، مما يتطلب التحرك السريع لتطويق الاثار، وتوفير المناخ المناسب للمعالجة العاجلة، الامر الذي ينعكس إيجابيا على البيئة الاجتماعية، بينما تتطلب بعض القضايا الغموض والسكوت، لاسيما وان الموقف الصريح بمثابة ”صب الزيت على النار“، نظرا لسيطرة التشنج وغياب صوت العقل، مما يستدعي انتظار الفرصة المناسبة، بعد ذهاب ”السكرة“، وعودة الفكرة للأطراف المتشابكة، وبالتالي فان الغموض يمثل الخيار الأفضل لمعالجة الأمور بالحكمة، بعيدا عن أجواء التوتر وارتفاع الأصوات غير العاقلة.

الغموض ليس محمودا، وليس مذموما على الاطلاق، فهناك بعض «العقد» تتطلب اتخاذ سياسة الامر الواقع، والسير وراءها بطريقة حكيمة، من اجل الانخراط بأسلوب حسن بعيدا عن الأضواء، والفلاشات التي تدمر الأمور في أحيان كثيرة، وبالتالي فان الظرف الزماني والمكاني، يحدد مسار الغموض او الوضوح، فليس عيبا السكوت في مرحلة زمنية، ولكنه مثلبة كبرى، وغير مقبولة، في حالات أخرى، وبالتالي فان غياب الحكمة يسهم في خلط الأمور، ويدفع لاتخاذ مواقف، في غير محلها على الاطلاق.

كاتب صحفي