آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 12:10 م

هكذا تعلمت

ياسين آل خليل

تسأل أحدهم ”كيف الحال“ فيرد عليك ”عايش“، بمعنى آخر، على قيد الحياة. فهل هذا هو واقع الحال، أو هي نظرة تشاؤمية من الوهم والخيال للواقع المُعاش، تعكس حياة الفرد في هذا الزمان؟ ماذا عن الأفراد الذين تميل إجاباتهم الى الإيجابية، وتبعث على التفاؤل والأمل وحب الحياة. هل إجاباتهم، هي الأخرى، واقعية ومصداق لما يشعرون به ويعيشونه لحظة بلحظة؟ أو أنها من قبيل المفردات التي نسجها الأولون، وعلقت بأذهان من تبعوهم، وأصبحت جاهزة على أسطح الألسن، تتلى كلما سأل أحدهم الآخر سؤالا يحاكي واقع الحال!

لا يختلف اثنان أن العيش هو أمر مختلف تماما عن البقاء على قيد الحياة. لذلك، عندما يسألك شخص ما عن حالك، فإنه من البديهي أنه لا يقصد إذا كانت أعضائك الحيوية تعمل بشكل طبيعي أو لا. نعم السؤال قد يكون محيرًا بعض الشيء، خاصة عندما تتعود أذنيك على سماع إجابات العديد من الناس، وهم يظهرون بشكل علني وضعهم الصحي لمن هب ودب، على أنها إجابة على السؤال ذاته المتعلق بوضعهم الراهن، ألا يجعلك هذا في حيرة من أمرك!

الكثير منا مشغولون في انتظار حدوث شيء ما لنحقق تلك اللحظات من الحياة التي نشعر فيها أننا فعلًا نعيش بحق، وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى. البعض ينتظر على مضض تلك الترقية في العمل، والبعض الآخر يكدّس المال عاما بعد عام ليصل حسابه البنكي الى ذلك الرقم الذي يشعر فيه أن حياته أصبحت آمنة ومستقرة. وآخرون ينتظرون اليوم الذي يتقاعدون فيه عن العمل، ويتحررون من قيود المسؤولية والتزاماتها. لسوء الطالع، جميع هؤلاء هم في انتظار دائم ليبدأوا عيشهم الحقيقي.

من المحزن، أنه لا أحد لديه القدرة على تحديد الوقت الذي ينتهي فيه ذلك الإنتظار، ليحصل على ما يتمناه ويبدأ في عيش حياته كما يريد. الكل ينتظر أن يحدث شيئ بقدرة قادر، يدفعه لأن يستمتع بما لديه ويسعد، وكأنه مع تحقق ذلك الشيئ تتحول الحياة إلى مدينة فاضلة، خالية من المشاكل، عندها فقط يتمكن فيها هذا الفرد أو غيره من بدء العيش الحقيقي.

نحن كبشر مهووسون بجانب محدد من الحياة، ودون النظر إلى الصورة الكبرى. يغيب عن تفكيرنا أن كل زاوية من حياتنا، هي تحد آخر يتطلب نوعًا مختلفا من الوعي. من هذا المنطلق، بات علينا أن نوقف ذلك التفكير والانتظار، الذي لم يوصلنا إلى شيئ، سوى الهم والغم والمرض. بات علينا أن نبدأ بتغيير أنفسنا ونظرتنا للأشياء والحياة بطريقة وازنة، وأن نتكيف مع الظروف ونتفاعل معها بإيجابية، هذا إذا ما أردنا أن يكون لنا نصيب من العيش الكريم.

اترك الحيرة جانبًا، وابدأ حياتك من هذه اللحظة. انفض غبار الماضي، واستقبل يومك بروح يملؤها الرضا والتفاؤل. توقف عن اخبار نفسك أن هناك شيئ ما في حياتك عليه أن يتغير قبل أن تكون سعيدًا، فلربما تنتظر العمر كله دون أن يتحقق ذلك الشئ.

لا يكفي أن تكون باق على قيد الحياة، الأولى أن تعيشها بعمق وتفهم وإدراك. قد لا تكون حياتك كما أردت لها أن تكون، لكن هذا لا يمنعك من أن تستمتع بتفاصيل هذه الرحلة، وما تحمله من تحديات.

الأمر كله متعلق بكيفية نظرتك للأشياء من حولك وتحديد خياراتك. قد تعتقد في لحظة ما بأنك عالق، وأنه لا يمكنك التغيير، في الوقت ذاته، هناك الكثير مما يمكنك عمله للخروج إلى العالم الرحب، الذي تتعدد في الفرص والخيارات. نعم، هكذا تعلم من سبقونا من حكماء الأمم البائدة، وتبعهم الكثير من حكماء العصر الحديث. أنت الآخر يمكنك أن تتعلم من الجميع لتفوز بكلتا الدارين.