آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

المصداقية.. المستقبل

محمد أحمد التاروتي *

تعكس المصداقية ترجمة حقيقية لمجموعة القيم الأخلاقية، فالمرء الذي يتحرك ضمن خط مستقيم، يتحاشى تلويث سمعته في الوسط الاجتماعي، خصوصا وان انتهاج الطرق الملتوية يؤثر سلبيا، على مكانة الانسان في البيئة الاجتماعية، مما يفقده الكثير من الرصيد الاجتماعي، فالمجتمع الذي يتلمس الخداع والاحتيال في سلوكيات بعض الافراد، يبتعد كليا او جزئيا عن التعامل مع هؤلاء، نظرا لانخفاض مستوى الثقة، والخشية من الوقوع، في حبائل النصب والاحتيال.

القيم المحرك الأساس لتجسيد المصداقية على السلوك الخارجي، فالتمسك بالقيم الأخلاقية يفرض مواقف محددة، ويرفض مختلف أنواع الكذب والخداع، في التعامل مع الاخر، نظرا للتداعيات السلبية على طبيعة الروابط الاجتماعية، مما يسبب في اثارة الكثير من الخلافات، ونشوب المزيد من الخصومات، على الصعيد الفردي، بحيث تمتد في بعض الأحيان بشكل أفقي وعمودي، في جميع اركان المجتمع، وبالتالي فان المصداقية بمثابة عقد أخلاقي يفرض نفسه في جميع التعاملات الخارجية، خصوصا وان القيم الأخلاقية تشكل رادعا نفسيا، في تحاشي الإخلال بالالتزامات تجاه الاخرين، مما ينعكس على الاليات المتبعة في طريقة التعاطي، مع مختلف الشرائح الاجتماعية، ”الصدق منجاة“، ”نظام الدين خصلتان: إنصافك من نفسك، ومواساة إخوانك“، ”أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك، فإن ذلك أجلّ لقدرك، وأجدر برضا ربك“.

التمسك بالمصداقية عنصر أساسي، في مواصلة مشوار النجاح في الحياة، فالعثرات التي تعترض الطريق، ليست مدعاة للتنازل عن القيم الأخلاقية، خصوصا وان رفض المغريات الدنيوية في انتهاج طريق الخداع، يمثل الوسيلة باتجاه تحقيق المزيد من النجاح على الصعيد الذاتي، فالالتزام الكامل بمجموعة المثل الأخلاقية، يحقق الرضا الذاتي بالدرجة الأولى، وكذلك يسهم في اتساع دائرة التقدير والاحترام، من لدن مختلف الفئات الاجتماعية، لاسيما وان المجتمع ينظر بعين الإكبار للأشخاص الملتزمين بصدق الحديث، مما يعزز من مستوى المصداقية في المرحلة الراهنة، وفي المراحل المستقبلية.

الإصرار على المصداقية في التعامل، يحمل في طياته الكثير من المزايا، على الصعيد الذاتي، فمن جانب يجعل المرء في المقدمة على الدوام، نظرا لوجود المؤهلات الضرورية، لاحتلال المواقع الأولى، جراء التحلي بالأخلاق والصدق الدائم، ومن جانب اخر، فان المجتمع يكون اكثر حرصا في التعامل، مع الشخصيات ذات المصداقية، بحيث يدفعها على الدوام لتصدر المشهد الاجتماعي، باعتبارها الأكثر قدرة على الحفاظ على المصالح العامة، بعيدا عن الغايات الخاصة، الامر الذي يفسر وجود شخصيات في المقدمة على الدوام، في مختلف المجتمعات البشرية، لاسيما وان السلوك الخارجي يفرض نفسه، على الواقع الاجتماعي في كثير من الأحيان.

الخشية من الاستغلال غير المثالي، للإصرار على المصداقية، في التعاملات الخارجية، ليست مبررة على الاطلاق، خصوصا وان الانسان بطبعة ينجذب للتعامل الحسن، مما يدفعه للحفاظ على مسافة فاصلة مع أصحاب الخلق الرفيع، وبالتالي فان المصداقية قادرة على تحطيم بعض الجوائز النفسية، الامر الذي يسهم في إشاعة القيم الأخلاقية، على الإطار الضيق في المراحل الأولى، بينما تتسع دائرة التعاملات الصادقة في المراحل المستقبلية، وبالتالي فان التنازل عن المصداقية يكشف حالة عدم الايمان بالقيم الأخلاقية، لاسيما وان الايمان الراسخ يدفع باتجاه التمسك بالقناعات، بغض النظر عن ردود أفعال الأطراف الأخرى.

رسم المستقبل الشخصي رهين خيارات الانسان، فالمرء الذي يحاول تبوأ المكانة الاجتماعية الرفيعة، يحرص على تعزيز المصداقية في نفوس الاخرين، من خلال التعامل الصادق بمختلف الظروف، باعتبارها جزء أساسيا من التركيبة الأخلاقية، مما يعني عدم الرضوخ للضغوط الخارجية، والصمود في وجه التيارات الجارفة، والتمسك بالمصداقية على الدوام.

كاتب صحفي