آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

المتغيرات.. الاستعداد

محمد أحمد التاروتي *

محاولة قراءة المستقبل تفرض الاستعداد التام لمواجهة المتطلبات، التي تفرضها التطورات المتلاحقة، لاسيما وان وضع الخيارات للتعاطي مع المستجدات، لتفادي المفاجآت او الخروج باقل الخسائر، امر بالغ الأهمية في مختلف الظروف، خصوصا وان التغاضي عن التحولات الكبرى يترك فجوات متفاوتة، تبعا لحجم الضرر او مقدار التفاعل مع تلك المتغيرات الكبيرة، وبالتالي فان المحاولات الجادة لاستشراف المستقبل، تهدف لاحداث استعدادات حقيقية، في التعامل مع التطورات في المجتمع.

المتغيرات سنة كونية في حياة البشر، فالبقاء على وتيرة واحدة من الصعوبة بمكان، فضلا عن كونها غير ممكنة على الاطلاق، فالانسان يتحرك على الدوام لاحداث تغييرات جذرية في طريقة الحياة، من اجل توفير أسباب الرفاهية والحياة الكريمة، الامر الذي يدفعه للتفكير الدائم للتغلب على الصعاب، وتجاوز المحن الحياتية بطرق مختلفة، مما يمهد الطريق لاحداث تطورات وقفزات كبرى، وبالتالي فان عملية التعامل مع تلك المتغيرات تختلف باختلاف الفكر، والقدرة على الاستفادة منها، خصوصا وان الاستجابة مع المستجدات مرتبطة بطريقة التفكير، وكذلك النظرة الاجتماعية السائدة.

الاليات المتبعة للتفاعل مع المتغيرات متعددة ومختلفة، مما يفسر نوعية الاستقبال لتلك التطورات، فالبعض يمتلك القدرة على الانسجام السريع والكبير، مما يجعله قادرًا على الاستفادة العظمى من التطورات على اختلافها، بحيث تترجم على شكل مواقف متعددة، وقرارات قادرة على تجيير التحولات بطريقة ذكية، الامر الذي يشكل منطلقا حقيقيا للانطلاق المرحلة القادمة، بينما يفشل البعض في القراءة الصحيحة، ويرفض الاستقبال بالطريقة الذكية، مما ينعكس على مواقف خاطئة وخسائر كبرى، خصوصا وان النظرة السلبية للمتغيرات لا تخدم، بقدر ما تضر على المدى القريب والبعيد، وبالتالي فان التوازن في التعاطي مع المتغيرات، يفضي لاتخاذ قرارات صائبة في الغالب، بخلاف النظرة الرافضة التي تولد الحسرة والندامة، وعدم القدرة على اللحاق بالركب في الوقت المناسب.

توفير الأدوات اللازمة لاستيعاب المتغيرات خطوة أساسية، من اجل خلق الظروف المؤاتية، لتجيير التطورات بطريقة صحيحة، خصوصا وان الافتقار لأسباب الاستعداد يحرم من تحويل المتغيرات الى حالة إيجابية، بحيث تصبح ظاهرة سلبية على الإطار الشخصي، وأحيانا تمتد على الصعيد الاجتماعي، نظرا لانعدام الاستعداد النفسي لمواجهة القفزات الكبرى في التفكير، مما يجعل التفكير يراوح مكانه دون حراك على الاطلاق ”مكانك سر“، بحيث يكون الجمود سيد الموقف، والمسيطر على النظرة العامة، وبالتالي فان القدرة على التعامل الإيجابي مع المتغيرات، احد المحركات الأساسية باتجاه خلق المناخ لكسر الجمود، وامتلاك الاستيعاب التام لمختلف التحولات الكبرى في المجتمع.

يصعب تصور القراءة المثالية، لاستيعاب المتغيرات المستقبلية، بدون وجود تفكير قادر على اختراق النظرة السطحية، والولوج في العمق بطريقة احترافية، خصوصا وان امتلاك النظرة غير الهامشية يحدث الفرق لدى الافراد، مما يفسر حالة الاستفادة من التطورات، فمقدار الاستفادة مرتبط بمستوى التفكير، والقدرة على التقبل السريع والواعي، وبالتالي فان العملية تتطلب جهودا استثنائية أحيانا، لمواصلة مشوار مواكبة المتغيرات، وعدم التوقف عند مرحلة زمنية محددة، نظرا لاستمرارية الفكر البشري في استكشاف المزيد من العلوم، وإماطة اللثام عن الكثير من الإسرار ذات الأثر الإيجابي، على المسيرة الاجتماعية بشكل عام.

الاستعداد مفتاح للدخول الى المتغيرات بطريقة سهلة، بعيدا عن المتاعب التي تواجه البعض في عملية التأقلم، فالعملية تستدعي إيجاد القنوات اللازمة لاحداث الاستعداد النفسي، لاستقبال التطورات بطريقة سهلة وغير معقدة، نظرا لوجود الفكر القادر على القراءة السليمة، بعيدا عن الأصوات الرافضة، او غير المستوعبة لسنة الحياة، والقائمة على مواصلة مشوار التقدم، في سبيل الرقي البشري.

كاتب صحفي