آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

ما يقتل إلا الهم

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

لَشَد ما استرعى انتباهي حوارٌ صاخبٌ بين ناصحٍ أمين وجد أنَّ واجبه يحتِّم عليه نصيحة مدخن بالإقلاع عن تلك العادة، كان الجواب الهادئ الذي أجابه المدخن هو: ما يقتل إلا الهم.

شخصيًا، لم أكن في مزاج جيد يسمح لي بالمشاركة في الحوار، إلا أنَّ هذه الإجابة انغرست في ذهني وقلبي بشكل واضح، وأجد نفسي مرغمًا على الاتفاق مع هذا التعبير.

في وقتٍ مضى كنتُ أمتلئ غيظًا حينما أقرأ مقالة أو أرى رأيًا يتعدى فيه صاحبه على ثوابت أظنها صحيحة، كما كان الانفعال سمةً لكل حوار مع شخص أجد أنه يتجاوز الخطوط الحمراء، اليوم أقول: إنني تعبت ومللت من أي محاولة لتصحيح شيء، ما أجمل أن يعيش الإنسان غير مكترثٍ بفكرة معتوهٍ أو متطفلٍ على علم لا يفقهه، لماذا ينبغي لي أن أكترث؟ هل لأنَّ حوارًا أو سلسلة مقالات توضيحية ستغير هكذا شخص؟.

كلا وألف كلا، الناس - بإرادتهم - لا يتغيرون في الغالب، لا أحد يسخر من الدين سيتغير بمقالة، ولا أحد يسفه الأخلاق والعادات والتقاليد سيتغير بكلامٍ منطقي، ولا أحد يعتدُّ بنفسه ويراها في أعلى عليين مستعدٌ لسماع شيءٍ صادرٍ من غير فمه، هذا هو الغالب، لماذا إذن ينبغي لي أن أُتعب قلبي وأعيش القلق والحزن؟، الدنيا تسير على نمط متسارع، ليس ثمة وقت طويل بين العام والعام لنعيشه قلقين محزونين على شيء.

هكذا تحملني الذكريات إلى طفولتي المبكرة لأجد أنَّ سنواتٍ طويلة خلت من عمري مرت كأنها لحظة، هذه هي الحياة، إنَّها لحظة قصيرة جدًا، وريثما نظن أنَّنا أوشكنا على بلوغ أمانينا يباغتنا الموت أو مرضٌ مؤذنٌ بالرحيل، ليجعلنا متأكدين أنَّ الدنيا رخيصة جدًا وأنها تقطع رجاء من التجأ إليها.

أجمل شيء في هذه الدنيا أن نحياها بسلام وخير وصدق، أن لا نظلم أحدًا ونبخسه حقه، أن نتأكد أنَّ الدنيا فانية وخير ما فيها العمل الصالح الذي سنجني ثماره يوم غد، أن نبقى متأكدين أن الجوهر أهمُ بكثير من المنظر الخارجي، لن أستدين لأشتري سيارة بمئات الآلاف وأبقى مهمومًا بهذا الدَين سنوات طويلة فقط لكي يقال إنَّني أقود سيارة فاخرة، لن يسرني أن ألبس بلوزة عليها رسم أحد الزواحف بمئات الريالات لكي يقال إنني ألبس الماركة الفلانية، ولن أجد نفسي مضطرًا لاستبدال جهازي الجوال بآخر جديد كل يوم لمواكبة أحدث الإصدارات.

والأهم أنَّ أحدًا ممن يجد هذه الأمور المادية معيارًا للتقييم لن أكترث برأيه ولا بمحبته، هكذا ستصبح الحياة أكثر سعادة، وستزول نسبة من ذلك القلق المزعج من القلب والنفس ويحل محلها الطمأنينة والسكينة والهدوء، وسأعيش حينها، وحينها فقط، في صحةٍ وخير وسعادة.