آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:14 م

الناس ما ترضى

ياسين آل خليل

هل أنت ذلك الشخص الذي يبذل قصارى جهده ليُرضي الآخرين؟ هل تحمل تلك الشخصية الحذرة التي تتجنب الخوض في مواضيع الساعة، خوفا من أن يفسرها المجتمع تفسيرًا خاطئا؟ هل المجتمع اليوم في وضع يتقبل فيه النقد أو النصح والإرشاد، أو أنه يعيش حالة من عدم الرضا عن ذاته والناس من حوله. نسبة كبيرة ممن تدفعهم أنفسهم للذهاب إلى مجالس الوعظ، تجدهم في حالة من الرفض والتذمر لمعظم ما يقال، لأنهم يشعرون أن ما يقال هو حلو وسهل على اللسان، صعب المنال والتطبيق في ظروفهم الصعبة التي تحتاج إلى معجزة ربانية كعصاة موسى، تبدل أحوالهم من حال الى حال...

كونك شديد الحذر من أن تطلق كلمة هنا أو نقدًا هناك، حذر الوقوع في فخاخ الخلاف الفكري أو المجتمعي، يجعلك تندفع سلفا لتقديم اعتذاراتك قبل وبعد أن تتفوه بكلمة أو تقوم بعمل. هكذا تصرف غريب، ماهو إلا نتيجة حتمية تعكس مدى قمعك لذاتك وتجريدها من هويتها لإرضاء شخص ما هناك، أو التقرب من آخر في محاولة يائسة أخرى، وفي ماراثون من المجاملات والنفاق الذي لا ينتهي برضى أفراد من الناس، قد يكون رضاهم شيء من ضرب الخيال.

الناس التي تسعى لإرضاء الآخرين ودون أن تضع اعتبارا لذاتها، عادة ما تبالغ في تقديم كل ما لديها من لطف ومودة لإثبات قيمتها عند الآخر. للأسف، آخر ما يمكن أن تفكر فيه هذه الشخصية، هو الاهتمام بذاتها، لأن الأولوية القصوى التي تشغلها، هي إبقاء الطرف الآخر سعيدا، ومهما كانت التضحيات والتكلفة المترتبة على ذلك العمل.

أن تعيش حياة كريمة بين الناس، لا يدعوك هذا أن تستصغر من ذاتك وتشعرها بالدونية. أنت لست بحاجة لأن تطرق الباب وتأخذ الضوء الأخضر، كل مرة تنوي فيها القيام بأي عمل أو شيئ ما. سعيك باستمرار للحصول على موافقة مبدئية من أحدهم، والتحقق من صحة ما تفعل على ضوء مرئيات الآخر، الذي هو ليس بأكثر فطنة وحكمة منك، ما هو إلا تدني للقيمَة الذاتية التي وضعتها لنفسك، وانتقاص غير مشروع لكينُونَتك وهويتك الشخصية.

محاولاتك الحثيثة والمتكررة لإرضاء من حولك ودون الإلتفات إلى حاجياتك، أمر يدعو إلى الحيرة. وضع قيمة حقيقية لإنسانيّتك وعقلك ووقتك والإنتقال مباشرة الى ما تنوي القيام به، لا محالة هو عين العقل والرشاد. وضع نفسك في حالة من التردد وانتظار الآخر بأن يُشعل شرارة البدء، تصرف غير عقلاني، لا محالة سينتهي بشعورك بالاستياء تجاه نفسك، وأنك قد فرطت في أن تمنح نفسك القدر اليسير من الإستقلالية في اتخاذ أبسط القرارات، وأنك قد أسأت لمكانتها الطبيعية من الإجلال والاحترام.

كونك صادقا مع الآخرين، تعبّر عن ما يدور بخلدك بحريّة وثقة، هذا ليس مدعاةً لأن يجعلك شخصًا متمردًا. جميعنا لدينا احتياجات حقيقية وعلينا أن نستمع لها ونلبيها. أنا وأنت والآخرون لا يمكننا أن نشكل علاقات حقيقية مع بعضنا البعض بالتّصنُع والنفاق المبالغ فيه. لكن هب أنك قمت بكل التدابير اللازمة لتكون من المَرْضِيّ عنهم، فهل هناك من ضامن بأن تكسب ثقة أو قلب أي من الناس في زمن وصفه الشاعر فهد العدواني، بهذه الكلمات الدلالية والحكيمة في نفس الوقت، حيث قال ”الناس ما ترضى ولا تطلب ارضاك - - ولو تفني سنينك لهم ما رضوبك … وإن طاب حظك طابت الناس وياك - - يرضون لو تكثر عليهم عيوبك“.