آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 10:23 ص

خروج الإمام الحسين (ع) إلى كربلاء

عبد الرزاق الكوي

قال رسول الله صلى الله عليه واله: «حسينا مني وانا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط».

حديث شريف من رسول كريم لا ينطق عن الهوى انه وحيا يوحى، ينطق عن السماء لتبليغ ما اراده الله على الارض لا ينطق صلوات الله عليه وعلى اله من منطق عاطفي او حب أبوي، انها رسالة السماء الذي يحب ان تطبق وتكون امتداد لنشر رسالة كلف بها الرسول صلى الله عليه واله، فالصادق الأمين لا ينطلق في كلامه من مصالح شخصية، ولا قرابة نسبية، فقد وضع الثوابت المنزلة عليه من رب العالمين جل حلاله، ثوابت تستمر بعد رحيله الى الرفيق الأعلى، ومن احد هذه الثوابت الذي صرح بها وأكد عليها هي محبة الامام الحسين ، وهو امتداد له عملا من اجل اتمام مسيرة الاسلام وتثبيت أركانه.

فقد واجه الرسول صلى الله عليه واله عتاة وجبروت وظلم قريش حتى قال لم يؤدى رسول مثل ما اؤوديت، فالأمام الحسين وهو يسير على خطى جده لاقى من امتداد قريش مالاقه جده الرسول المصطفى الأكرم، فالواجب مشترك والهدف واحد.

فخروج الامام الحسين سبقه خروج المصطفى من مكة الى المدينة بعد معاناته المستمرة مع طواغيت قريش وصل الى التآمر على قتله من ابي لهب، كذلك هاجر امام المتقين علي من المدينة للكوفة من اجل توطيد خلافته وإصلاح الخلل الذي اصاب الأمة والمجتمع.

قال رسول الله صلى الله عليه واله: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت».

فكان لابد من الهجرة اذا كانت من اجل الاسلام، فالقواسم مشتركة بين الرسول صلى الله عليه واله وبين ال البيت، العمل الذي امر الله جل وعلا رسوله الأكرم، يقوم به الامام علي وابنيه وذريته عليهم جميعا ازكى السلام.

انتصر الاسلام وثبتت أركانه بهجرة الرسول الأكرم وبقى الاسلام حاضرا في كل عصر مع هجرة الامام الحسين ، فلم يكن هينا ان يفارق الرسول الأكرم مكة المكرمة وفيها البيت الحرام، ولم يكن هينا على الامام علي والامام الحسين ترك المدينة المنورة لولا الواجب المقدس لإتمام مسيرة الرسول.

قال تعالى: ﴿الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون.

فقد فاز مند ولد وهو يعيش في حظن حب الجد ورعاية وحنان الأب والأم واراد الله ان يختم له بالفوز المخلد فكانت هجرته وجهاده في سبيل الله فما كان اصعب ان يفارق مدينة جده ولكن نداء الواجب، فالهجرة في بقاء القيم السماوية كانت من سير الأنبياء والأوصياء والعلماء الاعلام، فكثيرا ما اقتضت الضرورة والواجب الهجرة من الأوطان لم يتراجعوا بل استمروا بعيدا عن الأوطان.

فقالها متيقنا: «بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى بني هاشم اولا أما بعد فإنه من لحق بي منكم استشهد معي ومن تخلف لم يبلغ الفتح»

الفتح الذي وعد به على يديه من قبل الرسول الأكرم وان ما قام به جده من قبل يقوم على إتمامه فكان الرسول رحمة ولاقى الويلاة والإمام الحسين رحمة وينتظر الشهادة. لم ينحرف الرسول قيد انملة عن خط الرسالة فالحسين على المسار حتى لو كان ثمنها تقديم النفس.

بقاء الرسول صلى الله عليه في مكة المكرمة كان فيه قتله وقتل الاسلام وبقاء الامام الحسين في المدينة المنورة كذلك فيها قتله وعياله، وانتهاك المدينة المنورة من قبل نفس الطغمة وقتل اكثر صحابة الرسول البدريين، واغتصاب النساء ليس ببعيد من بعد خروج الامام الحسين واستشهاده. فالإمام ما كان ليترك بدون أن يبايع.

قال الامام الحسين : «إنه قد نزل بنا من الامر ماقد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت حداء، ولم تبقى منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما».

ودع جده الوداع الأخير الذي لا لقاء بعده الا في جنة الخلد، وقف يناجي ربه قائلا: «اللهم هذا قبر نبيك محمد صلى الله عليه واله، وأنا ابن بنت نبيك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني أحب المعروف، وأنكر المنكر، وأنا أسألك ياذا الجلال والإكرام، بحق القبر ومن فيه، الا ما اخترت لي ما هو رضى ولرسولك رضى».

فكان الاختيار الذي فيه رضا الله جل وعلا خروجه من المدينة لاعلاء كلمة الله تعالى وسنة رسوله المصطفى، اتجه مع أهله عليهم ازكى السلام إلى مكة المكرمة بعد رفضه إعطاء والي المدينة البيعة، وقال كلمته العظيمة ان مثلي لا يبايع مثله، رضي بكل قضاء يبرمه الله تعالى له والى بنات الرسالة، لم يضعفوا ولم توهن عزيمتهم ما كان ينتظرهم من غدر وحقد دفين من قبل اعدائهم.

قال : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن ابي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين».

فكان القرار المصيري والموقف الشجاع الذي يعيد الأمة الى جادة الحق، ويصحح واقع نخلته الفتن، وسلبت ارادته كم سلب منه المقوم الصحيح للإسلام.

قال الشاعر

سأمضي فما الموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا وجاهد مغرما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مذموما وخالف مجرما

فإن عشت لم أندم وأن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

فتحمل المسؤولية الشرعية، والواجب المقدس، مع علمه بالفارق المادي والإمكانات الضخمة والإعلام المضلل، كان يمتلك صبر جده وشجاعة ابيه والرضا بقضاء الله وقدره.

ان الواقع بحاجة ان يكسر في حاجز الخوف من الإرهاب الدموي الواقع على رؤوس الناس ارادها مدرسة كما كانت مدرسة جده، تتعلم منها دروس الآباء ومعنى التضحية اذا كانت المبادئ في خطر.

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها وبه تشرفت الحطيم وزمزم

لم يدر أين ينيخ بدن ركابه فكأنما المأوى عليه محرم

مثل ابن فاطمة يبيت مشردا ويزيد في لذاته متنعم

لولا امر النبي صلى الله عليه واله لما خرج الحسين ولولا الحسين لما بقي للدين باقية، فالحسين استقى نهضته من الرسول يملك روح النبي سار في خطه خط الإرادة الصلبة والتحدي الراسخ، فأراد لدين جده ان يستقيم فبقى خط الرسالة مستقيم على خطى الجد والسبط.

قال تعالى: ﴿ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات الله

فترك ابو عبدالله الديار والمتاع والأموال من اجل رضا الله وان يكون قربان وحفظة لدينه فبالحسين بقى الاسلام خالد حتى تقوم الساعة.