آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

على ضفاف الغدير

التعرف على معطيات الاحتفاء بيوم الغدير الأغر من الأهمية بمكان، وذلك لما يتداخل في عقول البعض من كونه استنهاضا لإمامة أمير المؤمنين واتكاءا على أوحدية دليل، يمكن بشيء من الفكاكة والجدل العقيم هدم قواعده المتينة ونسف الفكرة من الأساس!!

لا يمكننا إنكار اتساع رقعة هذه الواقعة لكثير من المعارف والدلالات العميقة التي تحتاج إلى عقول توظف أدوات البحث الأمين بعيدا عن العواطف، وأما الأدلة على ولاية أمير المؤمنين فهي كالشمس المضيئة تنير لك الطريق أينما حللت في بقاع المعمورة، وتتوزع مع كثرتها بين مساري البحث العقلي والنقلي ولكل منها توضيحه وتبيانه.

وأما واقعة الغدير فخصوصيتها ليست من جهة الأوحدية الدليلية كما يتوهم البعض، وإنما من جهة الحضور الكبير والمشهد الواسع الذي حضره أكثر من مائة ألف، وأثبت الواقعة عشرات الصحابة والتابعين بما لا يدع الشك في أصل حدوثها ودلالاتها الحقيقية.

الأمة من بعد رسول الله ﷺ أمانة كبرى لا يمكن للصادق الأمين أن يتركها بدون وصية وقيم على مقتدراتها وربان يدير دفة ومجاري أمورها وشئونها، فخط الرسول الأكرم ﷺ في يوم الغدير طريق إدارة المجتمع وفق النظرية الإسلامية ألا وهي الإمامة والولاية، فجعلها تدور في فلك النبوة من حيث الاصطفاء والاختيار ومن جهة المقومات والملاكات التي يتمتع بها هادي الأمة من بعده، وهي في خطها الإجمالي تشي بشخصيات تتألق في سماء التقوى بأعلى درجاته والعلم والحصانة المنيعة «العصمة».

ما كان يمتاز به أمير المؤمنين من صفات نفيسة لا نظير لهاجعلت له هذا الاستحقاق، إذ كان مجمع الكمالات وتجسيدا للموسوعة العلمية والمقتدى في شجاعته وخلقه الرفيع، بما لا يدع الشك للمنصفين من كونه الشخصية المؤهلة لقيادة الأمة وتأدية الدور الإداري وتسيير شئون الأمة ومعالجة الخلل والخلاف بينهم، كما أنه المؤهل لاعتلاء منبر التعليم والتبليغ، كيف وهو الباب المعرفي لمدينة العلم والحكمة النبوية؟

وهذا بالضبط ما مارسه أمير المؤمنين عمليا بتطبيق التعاليم الإسلامية في إدارة المجتمع وفق قيم العدالة والخبرة المؤهلة وتطوير قدرات الأمة من خلال إفساح المجال لتبوء المواقع العلمية والعملية، إذ أن مؤشر ترهل وأفول المجتمعات تكمن في أحد أهم عواملها في تقلد المناصب ممن لا يتصفون بمعيار الورع والخشية من الله تعالى، ومن تحركهم الأهواء والشهوات في إدارة دفة الأمور دون وعي ورشد، ولذا فإن نظرة واحدة في عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر «رض» لتكفي في معرفة ما كان يخطه هذا القائد العظيم من قيم حضارية متقدمة.

ومن نفحات يوم الغدير الأغر تبيان معنى الاحتفاء والاحتفال بهذا اليوم العظيم، فالمنشأ الأول هو تجديد العهد بالتمسك بحجزة الصراط المستقيم، والجانب الآخر هو استنباط تلك الصفات التي ينبغي أن تكون في شخصية وهوية الموالين لأمير المؤمنين ، فالفائزون بحبه والاستهداء بهديه ونهجه هم من يتصفون بصفاته الغراء، فمن الناحية العلمية هم التواقون إلى مناهل المعارف الحقة دون توان أو تكاسل، فالولاء لصاحب منبر: «سلوني قبل أن تفقدوني» همة عالية في الجانب الثقافي والعلمي، بما يمكن الصغار والكبار من إتاحة الفرصة لتنمية المدارك العقلية وتزويدها بشيء من مناجم معارف الإمام علي ، والولاء له كذلك من جهة أخرى هو الاستقامة السلوكية «العملية» سيرا على منهجه، فنصب أعين الموالين له علاقته بربه ومناجاته وقضاء حوائج المؤمنين وسيرته الأخلاقية وتعامله الرقيق مع الجميع، وأما عدالته فناموس القوانين ولبها يكمن بجعله معيارا في التعامل مع الآخر وحفظ حقوقه.

والخلاصة أن التمسك بوحي الولاية ليس بالشعارات والعبارات الرنانة والاتباع العاطفي الأعمى، بل هي دفقة وجدانية فكرية تستند في بلورتها على العلم والعمل المثابر مستوحيا طريقه من سيرة أمير المؤمنين .