آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

عيد الغدير الأغر

عبد الرزاق الكوي

قال رسول الله صلى الله عليه واله: «يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون بهمم بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي النعمة، ورضي لهم الاسلام دينا».

بمناسبة تنصيب الإمام علي في يوم إكمال الدين وإتمام النعمة يوم تبليغ الولاية عيد الله الأكبر الغدير الأغر، نرفع أزكى وأسمى وأبهى آيات التهاني والتبريكات الى مقام المولى الأعظم المصطفى الأكرم صلى الله عليه واله، وإلى صاحب الولاية الحقة إمام المتقين ويعسوب الدين قائد الغر المحجلين أمير المؤمنين ، وسيدي شباب اهل الجنة سبطي الرسول، والتسعة المعصومين من ولد الحسين ساداتنا الى قيام يوم الدين، ولا سيما من له الولاية بعد جده سيدي ومولاي حجة الله في السموات والأرضين الإمام صاحب الزمان، وساداتنا المراجع العظام والى الأمة الإسلامية جمعا، اللهم ثبتنا على الولاية الصادقة، وكل عام ونحن جميعا بمشيئة الله جل وعلا من الثابتين على ولاية أمير المؤمنين ، ونسأل الله جل وعلا أن يتقبل من الجميع ويشركنا في دعاء الموالين الصادقين، وأن يعيده علينا في ظل التمسك بالولاية.

تطل علينا الذكرى العطرة لعيد الولاية وتنصيب الامام الذي شكل محطة بارزة في تاريخ مسيرة الإسلام والمسلمين. فالله عز وجل لا يمكن ان يترك الامر بعد الرسول الأعظم للاجتهادات والتأولات في امر الأمة ومصيرها فخلال أكثر من عشرين سنة لم يترك الرسول صغيرة ولا كبيرة ما يخص الدين من معاملات واحكام وتشريعات حتى أدق التفاصيل الا بينها بكل وضوح كل ذلك كان جزء مهم من حياة الرسالة، والأهم كان تبيين الولاية من بعده من اجل استمرار الرسالة.

قال تعالى: «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين».

الكتابة فيما يخص ال البيت عامة والإمام علي بشكل خاص لا تحتويها الكلمات ولا طاقة لعقل ان يستوعب عظمة الحدث ليخط كلمات الحب والولاء في هذه المناسبة العظيمة بل هي من اعظم المناسبات وفيها إكمال الدين وتنصيب من يتولى حمايته بعد الرسول الأعظم. فالكتابة والحديث في شأن من شؤون ال البيت تبيض الوجوه وتجلب الرزق وتنير القلب فهم أصحاب الفضل والمكارم وعزتنا في حياتنا ومماتنا. ولن نصل الى ما نبتغاه في تبيان فضائلك، نكتب على قدر فكرنا البسيط، فحبك لا يكتب بل يزرع في القلوب.

نعيش في هذه الذكرى وهذا اليوم الخالد، الذي تتجدد على مدى العصور عاما بعد عام. مشعلا وضاء ينير لنا الطريق.

قال بن عباس:

«لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحار مداد والإنس والجن كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب».

لم يستطع احد ان يتعرف على هذه الشخصية العظيمة غير خالقه جل وعلا ومعلمه الرسول الأعظم، فضائله لن يستوعبها فكر ولا يخطها قلم، فهو الكمال منذ خلق وازداد خلقا بتواجده مع الرسول المصطفى، اجتمعت الامور الرسالية في شخصيته المظفرة.

أنت العلي وفي هواك علا في وصفه قد يعجز الإنشاء

الشعر يغدو في ولائك عاطراً وامام مدحك يعجز الشعراء

انت الإمام البر من لاحت له الخافقين أشعة وسناء

النبي صلى الله عليه واله بأمر من الله وبعد حجه المبارك جمع الحجيج من مختلف الدول والمناطق الاسلامية في صيف الحجاز الحارق لأمر عظيم وهو إتمام الدين وإتمامه بولاية أمير المؤمنين.

. «فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث وال من والآه، وعاد من عاده، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله، وأدر الحق من حيث دار، الا فليبلغ الشاهد الغائب».

وختم حديثه الشريف بالآية الكريمة:

«اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا».

على امتداد أكثر عشرين سنة من عمر الاسلام والرسالة تحمل النبي الأكرم الأذى من قريش مالم يتحمل نبي مثله جاهد وبلغ واثخن بالجراحات وصبر رغم كل ذلك كان كمال هذا الدين بولاية امير المؤمنين.

أنه يوما مفصليا في حياة المسلمين ومسيرة الاسلام في الطريق الصحيح والرسول يصرح أني اوشك أدعى فأجيب، والله تعالى امر ان ابلغ ما تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعثرتي أهل بيتي.

في هذا اليوم المبارك على الانسانية انجلى نور الولاية متمثلا في أمير المؤمنين ، ازدان شرفا على شرفه وزاد شأن لما تميز به وعظم قدرا وهو اهل للقدر.

يوم الغدير ليس لفئة او جماعة بل خطب الرسول في جمع من المسلمين جعله الله تعالى ولايته إلى علي ، فمن يعترض على ذلك او يشكك فأنما يشكك في أمر الله، فعلي أهلا لهذه المكانة السامية والمنزلة الرفيعة والدرجة العالية خصصه بها تعالى دون غيره، وهو يوم سرور لمن ارتضى الحق، وبعد عن الأهواء فالأمر أية مباركة كمال الدين وتمام النعمة والرضا بالإسلام.

فكان من أعظم الأعياد لم يرد في النصوص والأحاديث ما يسمى عيد الله الأعظم الا هذا العيد فعيد الفطر والاضحى المباركين جعله الله جل وعلا للمسلمين عيدا، اما عندما تحدث عن عيد الغدير الأغر عيد الولاية وتنصيب أمير المؤمنين للخلافة بعد الرسول المصطفى، نجد أن النصوص الروائية عبرت عنه بأنه عيد الله الأكبر.

قال المصطفى هذا وزيري سناه لأمتي بعدي هديا

علي حبه سيماء عدل ومن عاداه لا يلقى النبيا

فلم يسجد لدى الأصنام يوما ولم يدنو ولم يركع جثيا

به الاسلام مدّ الفجر مداً به الرحمن أبقى الدين حيا

وشمس الحق اشرق غدير خم وأضحى يومها عيدا بهيا

أمر النبي صل الله عليه واله ان تنصب خيمة الى الامام علي وأمر كل من حضر أكثر من مائة وأربعة وعشرون ألف صحابي بتهنئة أمير المؤمنين على تلك المكانة الشامخة والمنزلة العظيمة، وليبلغ الشاهد فيها الغائب وصية من الرسول الأكرم. من هنا تأتي أهمية هذه المناسبة ليكون هذا الجمع رسول للأمة في تبليغ الولاية.

بخ بخ لك ياعلي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

أن عليا منذ ولادته المباركة في الكعبة المشرفة وملازمته للرسول المصطفى في جل وادق حياته، هو صاحب المكانة الإيمانية الكاملة والشجاعة والجهاد في الدفاع عن السلام، وصفاته من زهد وتقى وحكمة ووعي واخلاص لله تعالى ولرسوله فهو الرجل المناسب لهذه المكان المهم في تاريخ الاسلام واستمراره.

فقد قال علي :

«قد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني فراشه، ويحسني جسده، ويشمني عرقه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول أو خلطة في فعل، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر امه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالقتداء به، وقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فاراه ولا يراه غيري، وأنا ثالثهما أرى نور الوحي وأشم رائحة النبوة».

يوم الغدير الأغر تجديد الولاية للإمام وال البيت ، وتوثيق المودة لهم، والارتباط بنهجهم ومسيرتهم، وإدراك مقاماتهم، نوثق الارتباط فهم الطريق الموصل الى الخالق جل وعلا.

في هذه الذكرى العطرة ما احوجنا بالتزود بفيض من قداستهم وقيمهم، ان تكون هذه الذكرة المباركة انبثاق جديد الى واقع أفضل وحياة كريمة بالتمسك بالولاية، والإصلاح من خلال هذه الولاية.

عيد سعيد اتمناه للجميع آملين من المولى العزيز الجليل أن يعيده علينا بالأمن والإيمان وطاعة الرحمن والسعادة والسلام والوحدة والوئام على الأمة الاسلامية جمعاء ويرد كيد الأعداء في نحورهم.

اللهم اجعلنا من المتمسكين بولاية يعسوب الدين وامام المتقين أمير المؤمنين ، والسالكين صراطه المستقيم وهنئا للجميع هذا اليوم السعيد.