آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

خداع وزيف «من وحي كلام أمير المؤمنين»

ورد عن أمير المؤمنين :.. وشكر المنافق لا يتجاوز لسانه» ”1“.

بلا شك أن البعض يمتلك من اللسان ما ينثر به كلمات المديح والثناء التي تعلو بالممدوح أعالي السماء، بينما هي في الحقيقة فقاعات هوائية سرعان ما تتلاشى ولا تعبر عن حقيقة مشاعر قائلها، وإنما نطق بها على سبيل تحصيل المصالح والكيدية كطريقة من طرق الانتهازية والخداع، إذ أن البعض تبلغ به السذاجة مبلغها فيصدق كل ما يقال ويرتب عليه الأثر دون أن يتفحص حقيقة هذا القول، وأنه متفوه به على سبيل عرفان الشكر أم المراوغات اللسانية، وهذا التحذير من الانخداع بالمجاملات المقيتة وكلمات الثناء الرتيبة ينطوي على تنبيهين: أولهما امتلاك القدرة على تمييز الغث والسمين والكلام الصادق الذي ينبع من نفس نقية تحكي واقع ما يجيش فيها من مشاعر، والجهة الثانية: تنبيه لنا بترك هذه الازدواجية بين دواخلنا ومنطقنا والتي قد تبدأ على سبيل المجاملة، ثم تأخذ بعدها وتتبلور على شكل سلوك دائم يؤدي بنا في نهاية المطاف إلى آفة النفاق، فنستطعم حينئذ الكلمات الرنانة ونجعلها بديلا عن المواقف الصادقة المعبرة عن حقيقة مشاعرنا.

المواقف الكلامية كالمظاهر قد تكون معبرة عن مشاعر رائعة ونفوس نقية، وقد تكون خداعة كذئب يلبس قناعا بوجه حمل وديع عليك الحذر من الوقوع فريسة في فخاخه، وعلينا جعل المحك الحقيقي للتقييم هو المواقف العملية التي قد تتطابق معها الأقوال وقد تباينها، فإن أولئك الأفاكين الوصوليين ليس لهم من سبيل يتزلفون به إلا الكلام المعسول.

من آيات المنافق الذي يستبطن الشر والحقد والكراهية ويظهر الطيب والألق في التعامل هو لسانه المباين لقلبه الأسود، فتراه يظهر الاحترام والتقدير للآخرين بينما يضمر الكراهية والازدراء، ولضعف نفسه لا يستطيع إظهار نياته الحقيقية، أو لأنه وصولي يدغدغ مشاعر الناس بالثناء والمديح الممجوج ليكسب قلوبهم ويحوز على ثقتهم، وقد يتطاول به التماهي مع واقع الناس ليتغلغل بحمل راية النصح وهو أبعد ما يكون عن الصلاح، ولكنها عدة التخرص وتزييف الحقائق بغية الوصول إلى مآربه.

وقد يتوهم البعض أن المجاملات المقيتة وخداع الناس بمعسول الكلام لون من ألوان الرقي في التعامل مع الآخرين، إذ المجاملة المطلوبة والممدوحة هو تكوين أجواء نفسية طيبة مع الآخر، وتشجيع الآخرين لاستعادة الثقة بأنفسهم، وأما الممقوتة فهي صبغ الآخر بألوان الثناء المكذوب بغية تحصيل مصلحة من وراء ذلك، كما يصنع ذلك الوصوليون في محيطهم الاجتماعي والوظيفي، فيلجأ إلى سكب آيات الثناء على رئيسه بغية الحظي بمكانة عنده يظفر من ورائها معاملة خاصة معه، وكم من إنسان تراه تبوأ الصدارة في المجلس ليثني على شخص ما ويعلي من مكانته، وسرعان ما ينكشف زيف شكره ومديحه من خلال تغير دفة كلامه بالاتجاه المعاكس، فيصب عليه جام غضبه وذمه لمجرد اختلاف في المصالح، وقد ينكشف زيفه في المجالس الأخرى بإظهار حقيقة موقفه وأنه لم يشكر ويمدح مواقف فلان لقناعة به، وإنما يجري خلف مصلحة من ورائه فيذمه كاشفا حقيقة موقفه.

وأمير المؤمنين يحذر من الانخداع بما نسمعه من كلام المديح لنا أو لغيرنا، فكم من إنسان يستدر مصالحه تحت الطاولة بما يعلوها من تعداد للمآثر، وليكن للثقة بالآخرين موضع من نفوسنا يعتمد على المواقف المتتالية التي تؤكد مصداقية هذا الشخص من زيفه، فهناك من يحتال بغية تحصيل مآربه من خلال دغدغة المشاعر والوصول إلى القلوب بالثناء الزائف والمجاملات الممقوتة.