آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

ما هو شعورك لو تعطلت شبكة الإنترنت؟

ابراهيم الزاكي

كم هم هؤلاء الذين أدمنوا الفضاء الافتراضي، وغدا ملاذهم وملعبهم وعملهم ولهوهم ومتعتهم وتسليتهم، وتسلل بهدوء معشعشا في أعماقهم، متسلطاً ومهيمناً على حياتهم، وسرق منهم عالمهم الواقعي، وضيَّع حياتهم وأوقاتهم وأعمالهم، وسلبهم القدرة على التفكير والحركة والاندماج مع الآخرين في الواقع المعاش والحقيقي، ويكاد الواحد منهم يجن وينتابه الشعور بالقلق، وضيق الصدر، والعصبية، والغضب، لو فقد الاتصال بشبكة الإنترنت.

هؤلاء يقضون الساعات الطوال ومن دون ملل أمام شاشات الأجهزة التي لا تكف عن الطنين والرنين، ولا يتخلون عنها أو يفارقونها حتى وهم داخل الحمام، أو وهم يقودون سياراتهم، سواء في أزقة الأحياء الضيقة، أو على الشوارع السريعة، فترى سياراتهم تميل ذات اليمن وذات الشمال متسببة في وقوع حوادث السير. وعندما يستيقظ الواحد منهم صباحاً يهرع مفزوعاً ناحية أجهزته متفقداً محصلة صفحاته على وسائل التواصل. فهؤلاء لا يمكنهم أن يبدؤوا نهارهم من دون تفقد أجهزتهم وعالمهم الخاص، ومعرفة آخر التعليقات على ما دوّنوه سابقاً، ومن ثم يمضون منشغلين في الرد والتعليق على الرسائل الواردة.

وحول هذا الاستخدام المفرط والجنوني للأجهزة الإلكترونية والادمان عليها، ”يرى الأطباء النفسيون أن الاعتماد القهري على الهواتف الذكية، بلغ من الشدة درجة أن مستخدمي هذه الهواتف لو - لسبب أو آخر - منعوا من استخدامها، أو لم يتحصلوا عليها لفترة طويلة خلال اليوم، فسيشعرون ساعتها - إلى حد ما - بنفس المشاعر والأحاسيس التي يشعر بها مدمنو المخدرات أو الكحوليات، وإن كان ذلك بدرجة مختلفة. وتبلغ هذه المشاعر ذروتها حالياً عند المراهقين والشباب، وحتى بعض الأطفال وصغار السن، حيث لا يمكن للبعض منهم أن يتخيل أنه قادر على تقضية يوم واحد، أو حتى بضع ساعات قليلة، دون أن يستخدم هاتفه الذكي، ليرسل ويستقبل المكالمات التليفونية، أو الرسائل العادية، أو الرسائل متعددة الوسائط“. «1»

كم هي كبيرة آثار التقنية الحديثة على حياة الفرد الشخصية والاجتماعية في وقتنا الراهن، وخصوصاً على هؤلاء المدمنين على استخدامها، حيث تحولت إلى طقوس يومية، وعادات يصعب التخلص منها. فعندما يفتقد أحدهم أي شيء من مقتنياته التقنية، لسبب ما، نتيجة تعطلها وخرابها، أو سرقتها وفقدها، أو بسبب انقطاع التيار الكهربائي، تراه يُجَن لفقده وانقطاعه عن عالمه الافتراضي، ويشعر بالضجر والملل والسأم والفراغ والضياع، مما يؤدي بهم إلى التشتت والتوتر وفقدان القدرة على التركيز، وتتحول معها حياة الواحد منهم إلى جحيم لا يطاق ويصعب تحمله.

”لقد كشف تعطل الكهرباء عقب إعصار ساندي، الذي ضرب الساحل الشرقي لأمريكا، عن نمط حياة من دون الاتصال بالإنترنت، وانعدام التواصل التكنولوجي، حيث ظهر مدى ارتباط الناس بالأجهزة الرقمية، وتبين هوس الأجيال الحديثة بالوسائط الرقمية والتعلق الشديد بها، فقد أصاب الجنون والضيق الشديد والملل والعصبية مجموعات الأطفال والمراهقين والبالغين جراء عدم تمكنهم من استخدام الوسائل التكنولوجية، والوسائط الرقمية، وإعادة شحن الهواتف الخلوية والألعاب الإلكترونية، وهو الأمر الذي لم يعتد عليه هؤلاء من قبل، حيث هي المرة الأولى في حياة هؤلاء الشباب التي ينفصلون فيها عن العالم الخارجي تماماً، من دون القدرة على كتابة نصوص، أو تشغيل لعبة «ماين كرافت»، أو الدردشة المرئية، وفحص موقع «فيس بوك»، أو إرسال تحديثات إلى موقع «تويتر»“. «2»

إن إدمان الأطفال والشباب للأجهزة الإلكترونية والإنترنت في بلد مثل إيطاليا أدى إلى اقتراح قانون في مجلس النواب يهدف إلى مكافحة الاستخدام المفرط، لا بل المرضي، للحواسيب والهواتف الذكية. فالاستخدام الهوسي للهاتف الذكي، والمتابعة المتواصلة للرسائل الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، تمتد بهؤلاء المدمنين عليها حتى ساعة متقدمة من الليل. حيث ”أظهرت دراسة أجرتها الجمعية الوطنية لإدمان الأجهزة الإلكترونية، ونشرتها وسائل إعلام إيطالية، أن نصف الإيطاليين الشباب بين 15 - 20 عاماً يطلعون على هاتفهم الذكي 75 مرة في اليوم. كما أن تقرير آخر نشر أظهر أن 61 في المئة من الإيطاليين يستخدمون هاتفهم أو جهازهم اللوحي في السرير أيضاً، وتصل هذه النسبة إلى 81 في المئة لدى فئة 18 - 34 عاماً“. «3»

إن التعلّق بالإنترنت يزداد يوماً بعد آخر إلى حد أن البعض لا يستطيع تصور الاستغناء عنه. فهم يستخدمون الإنترنت بلا انقطاع طوال الوقت. وأغلب الظن أن كثير من الناس تخيفهم فكرة انقطاع الإنترنت، حتى ولو لساعات قليلة، فقد أصبح جزءاً من حياتهم لا غنى لهم عنه، وتغلغل في كل جوانب حياتهم تقريباً. غير أن السؤال هنا عن آثار وتداعيات هذا الاستخدام المفرط والجنوني للأجهزة الإلكترونية والإنترنت والادمان عليها بشكل هوسي ومرضي، خصوصاً على الأطفال والمراهقين والشباب؟


1 - إدمان الهواتف الذكية. أكمل عبد الحكيم. جريدة الاتحاد الاماراتية. 29/04/2013



2 - إعصار ساندي كشف النقاب عن نمط حياة انعدم فيه التواصل التكنولوجي. إيمي لي بول. جريدة الشرق الاوسط. 23/12/2012



3 - إيطاليا تكافح إدمان الأجهزة الإلكترونية. جريدة الحياة. 22/07/2019