آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

التغيير المجتمعي الأهم في السعودية

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

كأنه لم يرحل، ظل مجلسه مفتوحا، يزوره رفاق العمر والكلمة والأقارب. على باب منزل الخال، الوجيه، السيد حسن العوامي، الذي كان إحدى الشخصيات الوطنية البارزة في القطيف، التقيت بحفيدته، مع أبنائها.

الابتسامة تعلو الوجوه، وزهر الياسمين قد أينع في العيد، فهي الأم التي تعلمت، وتدرجت، لتصبح اختصاصية في العيون، وتسير إحدى بناتها على دربها، دارسة للطب في إيرلندا، فيما ابنتها الأخرى تخرجت بتفوق من جامعة كاليفورنيا «بيركلي» المرموقة، لتكمل دراسة الدكتوراه مباشرة في الكيمياء، بعد أن حصلت على منحة دراسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، أحد أهم الصروح البحثية على مستوى العالم.

مساء يوم العيد، زرت أيضا مجمعا تجاريا في حي الشاطئ. كان المركز يعج بالفتيات والشبان والعائلات. الجميع يجلسون والضحكات ترتفع معلنة عن البهجة.

الفتيات في أغلبهن كن متحجبات دون غطاء للوجه، وبعضهن تتدلى من تحت الحجاب خصلات شعر على خجل.

الشبان كانوا يجلسون مع بعضهم دون أن تلحظ منهم أي سلوك سلبي، لم أشاهد أي تحرش، أو نظرات خادشة للحياء، أو ألفاظ تلقى هنا أو هناك!.

بدورهم العائلات كن مجتمعات في ذات مكان العزاب والعازبات، لم يعد هنالك ”جدرُ برلين“ فاصلة بين المواطنين، هم بشر في فضاء واحد، جميعهم قدموا بهدف الاحتفال بيوم العيد، دون أن يفسد أحدهم فرحة الآخر.

هذان المشهدان ما هما إلا صورة بسيطة لكمٍ من التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تحدث في القطيف، وهي تحولات جديرة بالملاحظة والرصد والتحليل، لمعرفة مدى عمقها، وديمومتها، وما تعبر عنه من بنية ثقافية وقيم اجتماعية وعملية جديدة.

الفتاة السعودية اليوم وصلت إلى أرقى الجامعات العالمية، وأثبتت كفاءتها بعلمها، واجتهادها، والثقة التي تمنحها إياها العائلة. فالبيئة القريبة مهمة في منح النساء مزيدا من الثقة، في مجتمع كانت وما تزال تغلب عليه الثقافة الذكورية.

في ذات الوقت، مشهد التحول الاجتماعي في المركز التجاري مهم للغاية، كون التغيير وصل إلى الطبقة الاجتماعية الوسطى، وتحديدا المحافظة، أو لنقل المتوجسة أو المترددة، وحدوث تبدل مفهومي وسلوكي لدى هذه الطبقة، معناه أن مشروع الإصلاح السعودي بدأ عمليا في التأثير على عقول الناس.

هنالك طبقة واسعة في القطيف والدمام والرياض وجدة وسواها من مناطق المملكة، ذات فكر متعدد منفتح منذ سنوات طويلة، لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية عدة، ورؤية 2030 ساعدت هذه الطبقة على إعلان وممارسة فكرها علانية دون قلق من جماعات الضغط المتشددة.

إلا أن إعلان الطبقة المتوسطة عن تغيرها، ولو الجزئي، أو التدريجي، هو الأكثر أهمية، لاتساعها شعبيا من جهة، وكونها ستمثل الرافعة المجتمعية الممتدة للتحول الاقتصادي والحكومي الذي تريده القيادة السياسية للمملكة.

المسيرة انطلقت نحو الإصلاح الحقيقي، والشواهد كثيرة، ما يحتاجه المجتمع مزيد من الانخراط في التغيير، والتحلي بالحكمة والصبر وبعد النظر، فالدول تُبنى كياناتها بالعقول والسواعد، التي تدرك أي مستقبل تريد أن تلج!