آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

احياء عاشوراء الإمام الحسين (ع)

عبد الرزاق الكوي

تعتبر احياء مجالس الحزن على الامام الحسين ، من أبرز المظاهر الإنسانية قاطبة، من حيث العظمة والبقاء في جميع أنحاء المعمورة، وتكتسب أهميتها ان المؤسس الاول لهذه المجالس المشرفة هو الرسول الأعظم صلى الله عليه واله، حينما نزل جبرائيل من السماء حزينا، فحزنت السماء قبل الارض بمصاب الامام الحسين ، فأخبر جبرائيل النبي الأكرم بما ينتظر هذا السبط في كربلاء من أعداء الله تعالى ورسوله، فروى الرسول الأكرم ذلك الى الصحابة فبكى وبكوا لمصاب نبيهم المصطفى، فكان أول من حزن وتألم لمصاب الامام الحسين ، وبدأت مشروعية وحث البكاء وإقامة المأتم من عهد الرسول صلى الله عليه واله.

وأتمم هذه المسيرة الخالدة والحزينة الامام علي عندما مر على كربلاء وقال للصحابة ما سيحدث في هذه الأرض لسيد شباب الجنة على يد بني أمية فبكى وبكى أصحابه ما سوف يتجرئ به أعداء الإنسانية من فعل مشين بحق حفيد النبي الأكرم، وكذلك فعل بعض من الأنبياء اثناء مرورهم بكربلاء المقدسة.

فالبدء كان الرسول وكرر إقامة العزاء والبكاء على الحسين عدة مرات وما أعظمها من دمعة على قلب سيد المرسلين وما أعظمها من كبيرة لمن ادخل الالم والحزن على رسول الأمة ومنقذ البشرية من الضلال.

فالمجالس الحسينية لم تكن وليدة استشهاد الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه، فقد بدأت حزنا من السماء وبكاء من الرسول المصطفى ومشاركة من الصحابة الكرام.

اما بعد فاجعة الطف الحزينة رحمة من الله لم تنطبق السماء على الارض بعظم المصاب وكبر الجريمة وفداحة الفعل، اطهر الاجساد عند الله جل وعلا وعند الرسول الأكرم، مقطعة تطأهاالخيل وتقطع الرؤوس على مرآة من نساء الرسالة بنات المصطفى، فكان أول مجلس بعد استشهاد الامام واولاده واصحابه اقامته بنات النبي صلى الله عليه واله، في كربلاء المقدسة امام الاجساد المطهرة. واستمرت هذه الشعائر معلنة نهضة في وجه الظلم وفضحه لا يقل عن نهضة الامام في مواجهة ظالمي اهل البيت ، فكان المجلس البطولي في وجه الطاغية ابن زياد وكانت بطلة كربلاء خير خلف لخير سلف بطولة وشجاعة هزت اركان بني أمية في الكوفة ومن بعدها في كل منطقة مرت فيها السبايا منذ خروجهم من الكوفة وصولا الى الشام.

وأما حياة الامام زين العابدين وماشاهده من افعال بني أمية فقد كانت حياته مأتم مستمر على شهادة الامام الحسين وإخوته وأصحابه وما لاقت بنات الرسالة من سبي وظلم تندى له جبين الانسانية. فقد كان من البكائيين، واتمم مسيرة هذه الشعيرة المقدسة جميع الأئمة عليهم ازكى وأعطر السلام، قياما بهذه الشعيرة وحثا لاتباعهم بإقامة المآتم والحزن على ابي عبدالله الحسين .

اما الامام الحجة فقال:

«فلاندبنك صباحا ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دما، حسرة عليك، وتأسفت على مادهاك، وتلفها، حتى أموت بلوعة المصاب».

كما أحييت مصيبة الامام الحسين ، زوجة الرسول صل الله عليه واله ام سلمى، عندما تغير لون التربة الذي أعطاه لها الرسول المصطفى وأخبرها اذا تغير لون التربة فأعرفي ان الحسين قتله ابناء الطلقاء.

بقت هذه المصيبة الاليمة والفاجعة المريرة على مر التاريخ ثابته ومترسخة في القلوب تتناقلها الأجيال جيل بعد جيل مع سيل من الدماء الطاهرة من اجل إقامة هذه الشعيرة اقتداء بالرسول ونقل مظلومية الامام الحسين .

فقد حاول بني أمية طمس ذكر الامام بقتله وطمس صوت الحق ومن بعده محاربة ذكراها ومحوها من قلوب محبي الامام ، فقتلت كل من يحي شعيرة مصاب الحسين ، وعذبت وسجنت وانتهكت كل الأعراف وانتهت دولة بني واميه وبقى الحسين شامخا، واتت دولة بني العباس وفعلت الافاعيل في أئمة ال البيت ومحبيهم، وحاربة احياء شعائر عاشوراء وأصبحت في مزبلة التاريخ وبقى ذكر الامام خالدا منير ثابتا.

استمرت مسيرة الشرف والطهر سيرة الامام العطرة على يد الفاطميين في مصر، حيث أسست دولة الفاطميين، لكن أيدي الظلم لم يهنئ لها بال فحاربت هذه الدولة الفتية الذي كان لها دور فاعل في نقل صوت الحسين في أرض الكنانة الذي كانت ولازالت تكن الحب الى أهل البيت . وأتمم المسيرة المشرقة البوهيين في بغداد بعد هلاك واندثار العباسيين في القرن العاشر الميلادي وتقام ولأول مرة في التاريخ أحتفالات رسمية في يوم عاشوراء وكان بصفة رسمية على يد معز الدولة البويهي، والحمدانيين في حلب، وقد عمدت هذه الدول إنعاش الشعائر الحسينية، بعد المجازر والويلات الذي تكبدها من يقيم ويتعاطف مع مصيبة اهل البيت المتمثلة في مصيبة الامام الحسين، وحوربت تلك الدولة لانها كانت توالي ال البيت وتنقل مظلوميتهم، حتى أعادت احياء الشعائر الحسينية الدولة الصفوية بشكل قوي ومنظم. وهذا كان الحال بين مد وجزر بين الولاء والإصرار على إقامة الشعائر وبين الحرب الشرسة من قبل أعداء ومبغضي ال البيت عليم السلام.

أتى العثمانيون وكانو من اشد اهل العداء والتضييق على ال البيت وإقامة الشعائر الحسينية. استمر الحال انفراجا قليلا وحربا في اوقات كثيرة وصولا للبعث وزمرته الظالمة حيث استمر منع الشعائر الحسينية ثلاثين عام من عمر البعث الدموي في العراق، فقد نكل وقتل وشرد وهجر اتباع اهل البيت ، وصولا الى ضرب مرقد الامام الحسين بالمدافع، وانتهى عصرهم الظالم كما انتهى كل من عادى وحارب ال البيت واحياء مظلومية سيد الشهداء.

والان ورغم ما يفعله اذناب الخوارج التكفيريين داعش في حربهم الإجرامية في حق اتباع ومحبي ال البيت في كثير من الدول بشكل عام والعراق بشكل خاص راية الامام الحسين خفاقه رغم انف أعداء الاسلام والإنسانية داعش الخزي وعار البشرية.

بقت كربلاء المقدسة منارا تهوى لها القلوب وتذرف له الدموع وتحن لها الأنفس كعبة الاحرار، وملاذ ملايين الزوار من ارجاء الارض. بقت على امتداد أربعة عشر قرنا.

فاليوم تقام الشعائر الحسينية بحضور الملايين من أقطار العالم إلى كربلاء الامام الحسين وصوت محبي الامام الحسين في كل قارات العالم رافعة ظلامة سيد الشهداء مقتدية بالرسول صلى الله عليه واله، انوار تضيء ظلام العالم هداية وأمل بواقع تنبثق مبادئه من الامام الحسين ومن جده وأبيه وأمه وأخيه عليهم صلوات الله جل وعلا.

والقطيف العزيزة برجالها ونسائها المحبة والعاشقة الى اهل البيت تشارك النبي صلى الله عليه واله وتعزي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين صاحبة المصاب، فمنذ عصر النبي الأكرم دخل أهل القطيف الاسلام طواعية وصاحب بعض رجال القطيف الرسول المصطفى، فهذا الصحابي الجليل صعصعصة بن صومان بن حجر بن الحارث العبدي من أهالي القطيف ولد في تاروت عام أربعة عشر قبل الهجرة، ومن بعد وفاة الرسول الأكرم، تشرف بالسير على خطى الولاية مع أمير المؤمنين ، شارك مع الامام علي في حروبه واستشهد أبنه زيد في معركة الجمل،

قال رسول الله صلى الله عليه واله لاصحابه عن أهل القطيف:

«ليأتين ركب من قبل أهل المشرق لم يكرهوا على الاسلام، وفي رواية أخرى، سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق».

ومن الصحابة الاجلاء القمبر بن صبرة القيسي من اهل القطيف المولود في تاروت، صاحب الرسول صلى الله عليه واله، شارك في معارك الرسول وتشرف بولاية الامام علي ، وشارك في معركة الجمل وصفين، واستشهد أبنه الحارث مع الامام علي في صفين. وأتم مسيرته المظفرة واستشهد مع الامام الحسين .

وبقت القطيف تحمل هذا الحب والولاء الى أهل البيت رغم ما تعرضت له من ويلات بني أمية وظلم بني العباس واجرام الخوارج وصولا الى داعش الخزي. بقت تحيي شعائر ال البيت على امتداد التاريخ لما للحسين عليه السلا مكانة خاصة عند أهل القطيف، كسائر من هداهم الله وشرفهم بهذا الولاء، قدمت القطيف التضحيات الدماء الطاهرة حفاظا على ذكرى إمامهم والسير على خطاهم ، فلا غرو ان سميت في وقت من الأوقات بالنجف الصغرى، عرفان بما تقدمه على خطى ال البيت،

فاليوم تنتشر المجالس الحسينية في القطيف وقراها وتقام المضافاة في الحسينيات حبا وبركة، ومن العادات الخيرة يوزع المحموص في المأتم حيث ارتبط أسمه بموسم عاشوراء يوزع منذ الصباح حتى منتصف الليل في أيام عاشوراء.

فالشعائر الحسينية منبر هداية، ومجلس صلاح، وطريق فلاح، وعقيدة راسخة، وبث فكر ال البيت ، فلنحافظ على هذه الشعائر بتعظيمها والعمل الجاد ان تظهر بالصورة الذي ترضي صاحبة المصيبة فاطمة الزهراء بنت رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه واله.