آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

مع الحسين ”3“

محمد أحمد التاروتي *

حرص سيد الشهداء على احداث حالة من الاستنفار الداخلي، والاستعداد النفسي في البيئة المؤيدة للعشائر في أواسط الأمصار المناصرة لأهل البيت، اذ تجسد ذلك في إرسال الكتب الخاصة لرؤوس القبائل في المدن الإسلامية، من خلال إرسال الرسل لتلك القبائل بالمدن الإسلامية، منها مدينة البصرة التي تحتل موقعا هاما في جسد المجتمع الإسلامي، نظرا لوجود تجمعات بشرية تدين بالولاء لأهل بيت النبوة.

كتب السيرة التاريخية تشير الى حمل سليمان بن رزين، مولى الإمام الحسين كتابا إلى أشراف البصرة، وهم: مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن قيس التميمي، والمنذر بن الجارود العبدي، ومسعود بن عمرو الأزدي، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد الله، لحث هذه الشخصيات على النصرة والمؤازرة للخطر الكبير الذي يتهدد الدين الإسلامي على يد يزيد بن معاوية، خصوصا وان ارهاصات جلوس يزيد على كرسي الخلافة الإسلامية ليست خافية على الجميع، مما يستدعي لانتهاض الهمم، والوقوف في وجه التحول الخطير، في مسيرة الأمة الإسلامية.

وتضمنت خطابات سيد الشهداء الملامح الأساسية، للدعوة للنهوض في وجه الاعوجاج الحاصل في الأمة الإسلامية، بهدف تشكيل جبهة مضادة وقوية لمقاومة الاحداث الجارية، خصوصا وان إرسال ”الرسل“ يستهدف النخب في القبائل والأمصار، مما يعطي قوة كبرى في احداث تغييرات جذرية، لدى الرأي العام في تلك الأوساط الاجتماعية، الامر الذي يفسر الاختيار الدقيق لمخاطبة تلك القيادات الاجتماعية، نظرا لما تمثله من ثقل اجتماعي ونفوذ قوي، في الوسط القبلي والعشائري.

بالإضافة لذلك، فان مبادرة إرسال الكتب ليست بمنأى عن شرح الأسباب الحقيقية، وراء الدعوة الى الرفض المطلق، لتولي يزيد بن معاوية مقاليد السلطة، نظرا لافتقاره ادنى المؤهلات الأساسية للقيام بالدور المطلوب، وبالتالي فان عملية تحشيد الرأي العام، تستدعي اطلاع القيادات الاجتماعية، على المخاطر الكامنة وراء السكوت على اعتلاء، يزيد بن معاوية مسند الخلافة الإسلامية، خصوصا وان السيرة الذاتية للخليفة الجديدة لا تشفع له باحتلال الموقع، لاسيما مع وجود شخصيات اكثر قدرة وصلاحا على النهوض، بما يرضي الله ورسوله.

إلقاء الحجة على المجتمع الإسلامي، تمثل احدى الأسباب وراء إرسال الكتب، لرؤساء القوم في البصرة، لاسيما وان البعض سيحاول التنصل من المسؤولية، بدعوى عدم الاطلاع على حيثيات تحرك سيد الشهداء ، مما يستدعي قطع الطريق امام جميع المبررات في المستقبل، نظرا لوصول صوت الامام الحسين لتلك الشخصيات، الامر الذي يحملها مسؤولية اتخاذ القرار.

تضمن كتاب الامام الحسين الدعوة للنصرة في سبيل اعلاء كلمة الله، والامتثال لسنة المصطفى ﷺ، فالكتاب يركز على احياء الدين والوقوف امام البدعة، التي سنها معاوية بن ابي سفيان، من خلال جعل الخلافة وراثية ونكث العهود التي قطعها على نفسه، خلال توقيع وثيقة الصلح مع الامام الحسن ، والتي تتضمن عدم توريث ابنه يزيد.

وجاء في الكتاب «أمّا بعد: فإنّ الله اصطفى محمّداً على خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أرسل فيه، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا لكم العافية، ونحن نعلم أنّا أحق بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولاّه، وقد بعثت إليكم رسولي بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أميتت وإنّ البدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي، وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد".

يبقى إرسال الرسل احدى الوسائل، التي شكلت مقدمات للنهضة الحسينية الخالدة، حيث أعطت رسالة واضحة على عزم سيد الشهداء ، اطلاق مشروع الشهادة في وجه الظلم، وعدم السكوت على إماتة السنة في الأمة الإسلامية.

كاتب صحفي