آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

مع الحسين «4»

محمد أحمد التاروتي *

حملت خطبة سيد الشهداء في المدينة المنورة ابرز الخطوط العريضة لتحركه الرافض تولي يزيد بن معاوية مقاليد السلطة، حيث أماط اللثام عن الكثير من الأسئلة الحائرة، وعلامات الحيرة لدى بعض الصحابة في المدينة المنورة، فالتحرك الحسيني لا ينطلق من نوازع ذاتية او أطماع

دنيوية، بهدف الاستيلاء على السلطة او غيرها من الأغراض الدنيوية الرخيصة، فالخطبة القصيرة سلطت الضوء على ما يدور في اذهان كبار الصحابة في المدينة المنورة، الامر الذي انعكس على مواقف بعض الصحابة تجاه الموقف الرافض لاستلام يزيد بن معاوية زمام الخلافة.

الخطبة التي تنقلها كتب السير تتضمن العديد من الأهداف الرئيسيّة وراء اتخاذ موقف المعارضة القوية، وعدم مبايعة يزيد بن معاوية بالخلافة، خصوصا وان القراءة المستقبلية لاستمرارية السكوت لا تبشر بالخير على الاطلاق، مما يعني ان المسؤولية الملقاة على الإمام الحسين جسيمة للغاية للحفاظ على الدين، وقطع الطريق امام انحراف السنة النبوية، وبالتالي فان المسألة مرتبط بالمسؤولية الدينية بالدرجة الأولى، لاسيما وان الأمة الإسلامية تعيش عند مفترق طرق، جراء المخاطر التي تتهددها من لدن الهرم السياسي الحاكم.

حرص الامام الحسين على وضع النقاط على الحروف منذ البداية، اذ عمد لإعلان موقفه على الرأي العام، والابتعاد عن المسايرة او المهادنة في الموقف، لاسيما وان الواجب الشرعي يستدعي اتخاذ الموقف الحازم، بهدف الحقائق امام الملأ وكسر حاجز الخوف، وسياسة الترهيب التي مارستها السلطة لفرض الامر الواقع على الجميع، حيث تمثل الموقف الواضح في رفض المبايعة، والخروج من المدينة المنورة في وضح النهار مع النساء والأطفال، الامر الذي يبعث رسالة مفادها بانه عازم على مواصلة المشوار حتى النهاية، بعيدا عن التخويف والتهديد التي أعقبت موت معاوية بن ابي سفيان.

الإصلاح بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يمثل احد الأهداف السامية لمسيرة سيد الشهداء ، فالإصلاح لا يختزل في مجموعة ممارسات، فهو يتضمن جميع الاعمال الساعية لإعادة الأمور للنصاب السليم، خصوصا وان السكوت يمنح الفرصة لانتهاج الطريق الخاطئ، مما يعرقل الجهود لإعادة الدفة للجادة الصواب مجددا، وبالتالي فان اطلاق ”انما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي“، تؤسس لمرحلة جديدة شعارها القضاء على حالة الترهل الساىدة في الأمة والبدء في مرحلة جديدة قائمة على نسف جميع الاعمال المنافية للمبادئ الإسلامية الصافية والتي أرسى دعائمها سيد الرسل ﷺ.

سيد الشهداء أزال اللبس لدى بعض الصحابة فيما يتعلق بموقفه الرافض لبيعة يزيد بن معاوية، فالتحرك لا يدخل في باب شق صف المسلمين، بقدر ما يهدف اعادة الوهج للدين الإسلامي، نظرا لوجود شريحة تعمل على مدار الساعة لتحريف تلك المبادئ، ”إِنّى لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلا بَطَرًا، وَلا مُفْسِدًا وَلا ظالِمًا“، بمعنى اخر، فان الخروج ليس مفسدة على الاطلاق، وإنما تحركا باتجاهزالصلاح والوقوف امام الظلم الذي تجسده السلطة الحاكمة، الامر الذي يفرض على الجميع الوقوف في وجه التحولات الخطيرة عوضا من موقف التفرج.

والخطبة التي سطرتها كتب التاريخ تحمل الكثير من الدلالات والعديد من الأهداف، فالقراءة السريعة لتلك الخطبة تكشف الأهداف الأساسية وراء النهضة في وجه السلطة الاموية، حيث قال سيد الشهداء «إِنّى لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلا بَطَرًا، وَلا مُفْسِدًا وَلا ظالِمًا، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأَبي عَلِيّ بْنِ أَبيطالِب»

كاتب صحفي