آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

التلاعب.. الولاء

محمد أحمد التاروتي *

الولاء لا يعني الذوبان الكامل والانصياع التام للطرف الاخر، فالعملية مرتبطة بالقناعات وتحديد المسارات وإيجاد حالة من التوازن بين التطلعات الشخصية والالتزامات الاجتماعية، خصوصا وان محاولة فرض الإرادة، وسلب حرية القرار ليس ولاء، وانما استبعادا، ووصاية مموجة، فحرية القرار تبقى مكفولة لدى الانسان في مختلف الظروف، بيد ان البعض يحاول فرض قيودا كثيرة على الاخر، لاتخاذه وسيلة للعبور، وتحقيق الكثير من الطموحات، والاطماع، لتوسيع رقعة النفوذ الاجتماعي.

الشعارات البراقة لعبة أصحاب المصالح الشخصية، لسلب حرية القرار لدى الأطراف الأخرى، حيث يحاول هؤلاء استغلال المشتركات الثقافية، والتقارب السياسي بشكل غير صحي، من خلال وضع اطار محدد للسيطرة على خيارات الاخرين، سواء عبر استخدام النفوذ الاجتماعي، لاسكات الأصوات المعارضة، او بواسطة استخدام سلاح المال، لشراء بعض الأصوات المطبلة، وبالتالي فان التقارب يفسر بطريقة مغايرة تماما، على شكل ”العبد والسيد“، مما يفرض استخدام الوصاية والأوامر، وسيلة لاظهار السطوة على تلك الأطراف.

التلاعب يمثل احد السمات الأساسية للعلاقة غير المتوازنة، بين بعض الأطراف، اذ يحاول احد الأطراف استخدام النفوذ الاجتماعي، في سبيل الوصول الى أهدافه، من خلال التلاعب بمشاعر وصدق ممارسات الطرف المقابل، خصوصا وان النظرة الملائكية التي يرسمها احد الأطراف على نفسه، تحدث حالة من الابهار والاكبار، لدى الأطراف الأخرى، مما يمثل مدخلا أساسيا للاستغلال في مختلف المجالات، وبالتالي فان العملية ليست علاقة مصيرية، بقدر ما تكون علاقة استغلال، واستغفال بالدرجة الأولى.

ادراك أصحاب النفوذ الاجتماعي، بسهولة التلاعب بمشاعر الولاء، لدى الأطراف الأخرى، يدفع للانخراط في صراعات جانبية، من اجل توسيع رقعة النفوذ، على حساب مختلف الشرائح الاجتماعية، اذ يحاول أولئك إضفاء بعض الجوانب الشرعية، لتوفير الغطاء للدخول في تلك الصراعات، لاسيما وان الغطاء الشرعي يوفر القاعدة الشعبية، لالهاب المشاعر لدى بعض الأطراف، مما يمنح الكثير من الولاء، والقدرة على توظيف تلك المشاعر، بالاتجاهات المختلفة، وأحيانا غير المنضبطة على الاطلاق.

امتلاك القدرة على وضع خطوط حمراء، في التفريق بين الولاء والتحالف، يفضي لتشكيل خطوط فاصلة في العلاقة المستقبلية، لاسيما وان الولاء ليس مدعاة لاتخاذ ذات التوجهات، او المواقف المؤيدة في مختلف، بقدر ما يقود لاحداث حالة من التوافق، وعدم التصادم، وكذلك التنسيق المشترك، فالولاء يكشف حالة من الانسجام الظاهر او الخفي، ولكنه لا يستدعي التذلل، او الخضوع التام لاوامر الطرف المقابل، وبالتالي فان محاولة رسم خارطة طريق لمسار العلاقات، يسهم في استمرارية التحالف، ويحدد ضوابط النظرة تجاه مختلف القضايا الاجتماعية.

رفض الوصاية منذ اللحظات الأولى، يقطع الطريق امام مسلسل التلاعب بالمشاعر الولائية، فالطرف الاخر يتحرك وفقا لقناعات خاصة، اذ يعتبر الولاء مدعاة لفرض المواقف، وتكريس الثقافة، مما يقود لاختفاء الأطراف الأخرى، مقابل سيطرة احد الأطراف، الامر الذي يشكل انعطافة خطيرة في بقاء الأطراف الأخرى، نظرا لفقدان التوازن في طبيعة العلاقات، بين الأطراف، بمعنى اخر، فان الاستغلال السيئ للمشاعر الولائية، يقود في كثير من الأحيان لنوع من القطعية، وانفراط عقد العلاقة، نظرا لاكتشاف احد الأطراف ”الغبن“ الحاصل، في نوعية العلاقة القائمة، مما يستدعي إعادة ترتيب الأوراق مجددا، بهدف استعادة القرار وتحطيم القيود المفروضة، جراء الوصاية غير المبررة لاصحاب النفوذ.

كاتب صحفي